ليس السلع والمنتجات وحدها هي التي ستتأثر بالحرب التجارية التي تدور رحاها بين أكبر قوتين اقتصاديتين، ولكن تدفقات الاستثمار الأجنبي العالمية ستكون هي الأخرى من بين الضحايا. والحقيقة أن الاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة من الصين والدول الأخرى في تناقص مستمر، ويعود ذلك بالدرجة الأولى لمخاوف الحرب التجارية، فضلاً عن حالة عدم اليقين بشأن سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.ونقل تقرير لقناة «سي إن بي سي» عن دراسة حديثة لمجموعة «روديوم» وهي مؤسسة بحثية في نيويورك أن الاستثمار الأجنبي المباشر داخل الولايات المتحدة انخفض بأكثر من 90 في المائة في النصف الأول من العام الماضي، إلى نحو 1.8 مليار دولار. وباع المستثمرون الصينيون أصولاً أمريكية بنحو 9.6 مليار دولار، مما يعكس في النهاية تدفقات سلبية إجمالية من الصين إلى الولايات المتحدة.وذكر تقرير آخر أصدره مؤتمر الأمم للتجارة والتنمية في يونيو الماضي أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم انخفضت بنسبة 23 في المائة في العام الماضي، إلى 1.43 تريليون دولار، بالمقارنة مع 1.87 تريليون في عام 2016. كما انخفضت التدفقات إلى الاقتصادات المتقدمة بنسبة الثلث بينما انخفضت الاستثمارات داخل الولايات المتحدة بمعدل 40 في المائة إلى 275 مليار دولار مقارنة مع 457 مليارا عام 2016.وبحسب «مارك زاندي»، الخبير الاقتصادي بوكالة مودي للتصنيف الائتماني فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية سحب المستثمرين لما يقدر بنحو 12.4 مليار دولار من صناديق الأسهم العالمية، وكان الانخفاض الحاد في الاستثمار الأجنبي المباشر هو أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا التوجه.ويقول التقرير، إن هناك عدة أسباب لانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر، ولكن ليس من المستغرب أن يؤدي الخطاب المناهض للتجارة، والمواقف الحمائية، وسياسات الحد من الاستثمار إلى تقليص شهية المستثمرين والشركات لشراء الأصول في الدول الأجنبية. ولا سيما في بلد ترفع شعار «أمريكا أولاً». وفي هذا الصدد يقول زاندي إن «أمريكا أولا» سياسة داخلية في طبيعتها غير مؤيدة للعولمة، مشيراً إلى أن الانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ قد يعني تراجعاً في التجارة، ولكن الاستثمار الأجنبي المباشر يتأثر بذلك أيضاً.ويشير التقرير إلى أن الحديث عن الحرب التجارية يجعل من الصعب على الشركات التخطيط للمستقبل، وهذا ينطبق بشكل خاص على الشركات الصينية. فقد بدأ الرئيس ترامب بالفعل في تطبيق التعريفات على سلع بقيمة 100 مليار دولار، ويهدد في الوقت نفسه بفرض رسوم على واردات بقيمة 800 مليار دولار.والمحصلة أنه كلما ازدادت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة سوءاً، ومع فرض الصين للتعريفات الخاصة بها علي الواردات الأمريكية، فإن ذلك قد يدفع المزيد من الشركات إلى البقاء في بلدانها وعدم المغامرة في الخارج.ويقول «ثيلو هانمان» مدير مجموعة «روديوم» إن المستثمرين الأجانب يبحثون عن الفرص الاقتصادية والاستقرار السياسي علي حد سواء، والذي تقلص كثيراً في ظل الإدارة الأمريكية الحالية. وأكد أن حالة عدم اليقين تعني بالأحرى وقف قدوم المستثمرين الأجانب. وبحسب «زاندي» فإن السياسات المقيدة للهجرة قد تؤدي أيضاً إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في المستقبل، مشيراً إلى أنه عادة ما يزداد الاستثمار الأجنبي المباشر عندما ترتفع مستويات الهجرة. وينوه إلى أن نسبة كبيرة من الاستثمار الأجنبي المباشر، تتركز جغرافياً في الأماكن التي يكثر بها المهاجرون.ويشير التقرير إلى أن السياسة الأمريكية ليست هي وحدها التي تدفع الاستثمار الأجنبي العالمي المباشر إلى الانخفاض. ففي عام 2017 انخفضت الاستثمارات في كندا إلى أدنى مستوياتها منذ 2010. ونُسب هذا الانخفاض إلى المخاوف بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، فضلاً عن رغبة كندا في وضع حد لاستحواذ الأجانب على الأصول العقارية.ويقول التقرير، إن الصين نفسها مسئولة أيضا عن انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر. ففي الفترة ما بين عامي 2014 و2016 سمحت الحكومة بتدفق المزيد من الأموال خارج البلاد. بيد أنه مع مغادرة الكثير من الأموال للبلاد، شرع المسئولون في الإعراب عن قلقهم حول الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها تدفقات رؤوس الأموال الضخمة خارج البلاد على اقتصادها. كما بدأت المؤسسات المالية الصينية والمثقلة بالديون بسبب الإفراط في الانفاق إبان الأزمة المالية في بيع منتجات إدارة الثروات قصيرة الأجل في الصين في مقابل شراء أصول طويلة الأجل ومنخفضة المخاطر في أمريكا وغيرها من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وقد أدى ذلك إلى حدوث خلل بين الأصول والديون. وفي عام 2017 وضعت الحكومة الصينية المزيد من القيود على تدفقات رؤوس الأموال خارج البلاد، وكان لذلك تأثير كبير على الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر في شتى بقاع العالم.ويخلص التقرير إلى أن الحرب التجارية العالمية قد تدفع الدول الأخرى لوضع قيود على الاستثمارات الأمريكية وهو ما سيكون له تداعيات على الوظائف المحلية والاقتصاد الأمريكي برمته.
مشاركة :