القصة القصيرة جداً.. كتابات «تيك أواي»

  • 7/11/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود الومضة، الكبسولة، لوحات قصصية، مقطوعات قصيرة، بورتريهات، الأقصوصة، كلها مسميات تطلق على القصة القصيرة جداً، هذا الجنس الأدبي الذي لا تزيد فيه القصة على فقرة، وربما تتكثف في جملة واحدة في بعض النماذج، بدأ يشهد رواجاً لافتاً في الفترة الأخيرة.الومضة، الكبسولة، لوحات قصصية، مقطوعات قصيرة، بورتريهات، الأقصوصة، كلها مسميات تطلق على القصة القصيرة جداً، هذا الجنس الأدبي الذي لا تزيد فيه القصة على فقرة، وربما تتكثف في جملة واحدة في بعض النماذج، بدأ يشهد رواجاً لافتاً في الفترة الأخيرة. تبلورت ملامح هذا الجنس عربياً منذ تسعينات القرن الماضي، خاصة في سوريا وفلسطين ومصر، وبصورة أكبر في بلدان المغرب العربي، حيث وجدت القصة القصيرة جداً اهتماماً كبيراً هناك، لكن لهذا النوع الأدبي جذوراً في كتابات الرواد العرب، مثل نجيب محفوظ، وكذلك نجد أسماء مثل فاروق مواسي، محمود شقير، عزت السيد أحمد، انتصار بعلة، محمد منصور، إبراهيم خريط، فوزية المرعي، وفاطمة بوزيان.. إلخ، الملاحظ أن هذا الجنس الإبداعي بدأ ينتشر بشكل كبير في الآونة الأخيرة، بفضل وسائل التواصل الحديثة، ووجد إقبالاً كبيراً من الشباب، وجاء هذا الانتشار الواسع، متوافقاً مع التحولات والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وسيادة طابع السرعة في العصر الحالي.في هذا الاستطلاع تبحث «الخليج» مع عدد من الكتّاب والمختصين، في سر إقبال الشباب الإماراتي والعربي على القصة القصيرة جداً، ومآلاتها كجنس أدبي خاص، فرض حضوره بقوة في المشهد الثقافي العربي والعالمي.القاص إبراهيم مبارك يؤكد مسألة الخبرة كعملية ضرورية في كتابة القصة القصيرة جداً، وكذلك التكنيك الجيد حتى يُكتب شيء مفيد في حيز صغير، وبشكل متميز.فالقصة يجب أن تحتوي على مضمون وهدف، وإلا فإنها ستكون غير منضبطة، وتصبح مجرد خاطرة صغيرة، لأن عملية القص تتضمن نقل المتلقي للوصول إلى غاية. كما أن القصة القصيرة جداً تتميز بالتكثيف العالي والرمزية، وهذه تقنيات تتطلب من الذي يشتغل عليها أن يكون على وعي وثقافة، وإلا فإنها تكون مجرد تسلية فقط.ويلاحظ مبارك أن هنالك استسهالاً كبيراً وسط الكتّاب الشباب، خاصة تلك الأعمال المنتشرة في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فهم يستسهلون كتابة القصة القصيرة جداً، لأنها تكتب في حيز صغير، وبكلمات قليلة، وهذا يجعل من معظم هذه الكتابات مجرد خواطر، فهي قد انتشرت بهذه الكثافة لأن معظم من يمارسونها من الشباب، ينظرون إليها ككتابة بلا مضمون ولا غاية، أو هكذا يظنون، وتساعدهم تلك الوسائط الحديثة في عملية النشر، بعكس ما كان يحدث في الماضي عندما كان النشر في غاية الصعوبة.ويشير مبارك إلى أن مجرد «المفارقة» لا تخلق قصة قصيرة، فلا بد من المسؤولية في الكتابة، عبر امتلاك أدواتها، وكذلك عبر الاطلاع على اشتراطات كتابة هذا النوع من الأدب.وعلى الرغم من تشجيع مبارك للتجريب، على النحو الموجود في مواقع التواصل الاجتماعي لكتابة القصة القصيرة جداً، إلا أنه لا يرى أن هذا النوع من الكتابة يمثل مستقبل السرد، فالقصة هي نوع من أنواع الأدب، مثل الرواية وغيرها من الأجناس السردية، ولن يلغي شكل أدبي الآخر في المستقبل، فالساحة تتسع للجميع.فيما يرى الباحث د. عمر عبد العزيز، مدير الدراسات والنشر في دائرة الثقافة في الشارقة، أن هذا الزمن الإبداعي يحدث فيه نوع من التسارع، والتكثيف القصير الوامض والعابر، والتساهل حد التخلي عن القواعد والمعايير التي تم التوافق والتآلف عليها منذ زمن طويل، وهذا يشير إلى عاملين، أحدهما سلبي يتعلق بالتداعي الحر مع الحالة الذاتية والوجدانية، وربما الوهم المعرفي، والآخر إيجابي يتمثل في شكل يعبر عن الزمن الإبداعي الجديد، وهو زمن يتقلص موضوعياً، وفيه تتجسر العلاقة بين الأنواع الأدبية، بحيث يستعير المسرح عناصر الشعر، والشعر عناصر النثر وهكذا.ووفقاً لتلك العوامل التي قدّمها عبد العزيز فهو يقرأ القصة القصيرة جداً، كظاهرة موضوعية ككل الظواهر، فالقصة القصيرة جداً، وحتى الرواية تواجه الرغبة في التكثيف الناتجة عن عصر السرعة، ولكن في الكتابة المكثفة لا بد من امتلاك ناصية اللغة الأدبية، والحبكة الدرامية، فالقدرة على مخاطبة المتلقي تجعل الثنائية التقابلية بين المبدع والمتلقي حميدة تحفل بالجدل، فالمتلقيان متنوعان بتنوع البشر، وذائقة كل فرد لها خصوصيتها.ويرى عبد العزيز أن التنافس بين الأشكال الأدبية سيزداد، وهو محكوم بالتجريب، ولا بد في النهاية من الوصول إلى النصوص التي تتقاطع وتتكامل، وكذلك الأدوات الجمالية والنقدية ستكون متغيرة في المستقبل لا محالة.فيما يرى القاص والناقد إسلام بوشكير أن مواقع التواصل الاجتماعي منحت الكتّاب عموماً الفرصة لنشر أعمالهم على نطاق أوسع، ولكنها فتحت المجال كذلك لنوع من الكتابة التي تمارس الاستسهال، وتطرح نفسها كتجارب حقيقية، ومتوفرة على شروط الإبداع، لكن عند الاحتكام لمعايير الأدب، نجدها فقيرة، وتأتي على حساب الكتابة الأصيلة والعميقة صاحبة المشروع، غير أن التجربة الحقيقية ستفرض نفسها في نهاية المطاف.ويحذر بوشكير من خطورة عملية قراءة المشهد الأدبي والثقافي، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فهي لا تعبر عن واقع المشهد وحقيقة الأدب، ومع ما توفره من إمكانات في التجريب والتدريب على الكتابة، لكنها لا تنتج أدباً.ويرى بوشكير أن تأثير ما يعرف بعصر السرعة في الأدب ما زال محدوداً، ففن الرواية مثلاً، ما زال يجد إقبالاً كبيراً، واهتماماً في النشر، بينما فن القصة القصيرة، مظلوم في عملية النشر والإعلام، كما أن الربط بين الأدب وطبيعة الحياة من حيث السرعة والبطء يحتاج إلى إعادة فحص.ويؤكد بوشكير أن القصة القصيرة جداً، مغرية من عدة نواح، منها أنها فن يقوم على التكثيف والدهشة، وسهولة الإيصال. إلا أن هنالك سوء فهم رائج عند الشباب حول القصة القصيرة جداً، فهم يرون أنها سهلة ومرتبطة بالحجم، في حين أنها في غاية الصعوبة، حيث تحتاج إلى وعي فني وجمالي.القاصة الإماراتية عائشة عبد الله تشير إلى أن طبيعة القصة القصيرة جداً، التي تحفل بالتكثيف والإيجاز، جعلتها هدفاً للشباب من الكتّاب، فهي تنجز كل ما ينبغي قوله في سطرين أو ثلاثة، وهي تحتوي على كل ما يريد الإنسان قوله، فعصر التحولات الاجتماعية والثقافية والسرعة قد هيّأ لمثل هذا الواقع في الكتابة السردية، ففي زمن سابق لم يكن الإنسان بمثل هذا الانشغال الذي نشهده اليوم، حيث إن تقلبات الحياة فرضت طابعاً سريعاً، محتشداً بالمشاغل، واتجه الإنسان نحو الحياة الفردية حيث الخواطر والتأمل، وكان للتكنولوجيا الحديثة أثرها الكبير في سهولة أن ينشر المرء أفكاره وكتاباته.وترفض عبد الله فكرة أن يصبح مستقبل السرد مختصراً في القصة القصيرة، حيث إنها تشبه الصرعة أو الموضة، التي يتعلق بها الناس ثم يتركونها بعد زمن، كما أن الكثير من الشباب الذين يشتغلون في هذا الجنس الأدبي، وينشرون كتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يملكون فكرة حقيقية، أو أدوات، أو استيعاباً لماهية هذا الشكل من السرد، فهي تأتي لدى بعضهم كمثل الخاطرة التي تحفل بالمفارقة فيعبرون عنها كتابة، وذلك يظهر في عدم تماسك القصة فتكون البداية مثلاً قوية بينما تأتي الخاتمة ضعيفة.وترى عبد الله أن التقليد أحياناً يقود إلى التعلق بأشكال معينة من السرد، كما حدث مع القصة القصيرة جداً أو الومضة، فقد تلقفها الشباب على غرار ما حدث في الغرب.

مشاركة :