التكنولوجيا والعلوم .. وارتقاء الاقتصاد العالمي «2 من 2»

  • 7/11/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

تمثل تكنولوجيا الليزر أداة علمية ثورية بالقدر نفسه من الأهمية، فعندما تم تطوير تكنولوجيا الليزر الأولى، قيل في طور البحث "إن مخترعيها ظنوا أنها عبارة عن تقنية، ولكن في فترة الثمانينيات من القرن الـ20"، وعند التطبيق، تم استخدام الليزر بالفعل لتبريد العينات متناهية الصغر حتى درجات حرارة منخفضة على نحو غير مسبوق، ما نتج عنه إحراز مراحل تقدم مهمة في علم الفيزياء. أما الآن، فالتوسع في استخدام الليزر في العلوم، وصل إلى نطاق مذهل. وأحد أهم تطبيقات الليزر هو القياس الطيفي للتكسير المستحدث ضوئيا، وهو أداة متعددة الجوانب والاستعمالات بشكل مذهل، تستخدم في مجموعة كبيرة من المجالات التي تتطلب تحليلا كيماويا سريعا على المستوى الذري، دون إعداد عينة، ويعرف "اللادار" (رادار خفيف) بأنه تقنية مسح تعتمد على الليزر، وتنتج صورا ثلاثية الأبعاد بتفاصيل دقيقة للغاية تستخدم في علم الجيولوجيا، وعلم الزلازل، والاستشعار عن بعد، وفيزياء الغلاف الجوي، فضلا عن المساعدة إلى حد كبير أخيرا على مراجعة تقديراتنا لحجم ومدى تطور حضارة المايا قبل الحقبة الكولومبية في جواتيمالا. ولكن الليزر أيضا عبارة عن أداة آلية يمكنها اجتثاث "إخراج" المواد لأغراض التحليل. وبالنسبة لعمليات الاجتثاث بالليزر، يمكن اجتثاث أي نوع من العينات الصلبة لتحليلها، وليست هناك شروط تتعلق بحجم العينات، كما لا توجد إجراءات تحضير للعينة. كذلك تم استخدام طريقة قياس التداخل بالليزر لاكتشاف موجات الجاذبية التي افترضها أينشتاين، التي تمثل واحدة من أكثر الاكتشافات التي بني عليها في الفيزياء الحديثة. قرن البيولوجيا ولا يزال أمامنا كثير. وكما أشار فريمان دايسون، إذا كان القرن الـ20 هو قرن الفيزياء، فإن القرن الـ21 سيكون قرن البيولوجيا؛ لأن التطورات الأخيرة في البيولوجيا الجزيئية وعلم الوراثة، تنطوي على تغيرات ثورية في القدرات البشرية على التأثير في الكائنات الحية الأخرى. ومن أبرز هذه التطورات، انخفاض تكاليف تسلسل الجينوم بمعدل يجعل قانون مور يبدو خاما، مقارنة بذلك انخفضت تكلفة التسلسل من 95 مليون دولار لكل جينوم في 2001 إلى نحو 1250 دولارا في 2015. ويشكل أسلوب مراجعة زوج أساسي في التسلسل الوراثي أسلوبا واعدا؛ بسبب التطورات الأخيرة في أساليب التكرار العنقودية المتناوبة منتظمة التباعد كأس Cas9 CRISPR9. أما الأسلوب الآخر، فهو علم الأحياء التركيبي، الذي يسمح بتصنيع المنتجات العضوية دون وساطة الكائنات الحية. وقد ظلت فكرة إنتاج بروتين دون خلية قائمة على مدار نحو عقد من الزمان، إلا أن مقوماتها الكاملة لم تصبح معروفة للعامة إلا أخيرا، حتى إن كان تحقيقها لا يزال يحتاج إلى سنوات. علاقة تكافلية مع هذا، لا يزال هناك كثير من الجديد تماما تحت الشمس. فإذا كانت الطاقة تهيمن على تاريخ أول ثورتين صناعيتين، فإن المستقبل أيضا قد يشهد فعليا تقدما هائلا في تطوير مواد جديدة. وتسمية أي حقبة اقتصادية باسم المادة الخام السائدة آنذاك "العصر البرونزي" هي عادة قديمة بين المؤرخين. ولم يتسنَّ تحقيق كثير من الأفكار التكنولوجية في الماضي؛ لأن المواد التي توافرت للمخترعين لم تكن - ببساطة - كافية لجعل تصاميمهم تدخل حيز الواقع، لكن الإنجازات الأخيرة المدفوعة بالعلم في علوم الماديات، تسمح للعلماء بتصميم تركيبات جديدة لم تعرفها الطبيعة من قبل. وتبشر هذه المواد الاصطناعية التي يتم تطويرها على مستوى النانو تكنولوجي، بتطوير مواد توفر خواص محددة من حيث الصلابة والتحمل والمرونة وغيرها حسب الطلب. ولا تزال الراتنجات الجديدة، والخزف المتقدم، والمواد الصلبة الجديدة، والأنابيب النانوية الكربونية جميعها في طور التطوير أو التحسين. ويبدو أن الذكاء الاصطناعي والليزر والهندسة الوراثية تصنف على أنها تكنولوجيا المنفعة العامة التي تنطوي على عديد من التطبيقات عبر نطاق واسع من الاستخدامات في مجالي الإنتاج والبحوث. ويبدو أن هناك اتفاقا واسع النطاق على أن تكنولوجيا المنفعة العامة - مثل تعلم الآلة - عادة ما تستغرق وقتا لتؤثر تأثيرا كاملا في الاقتصاد؛ لأنها تتطلب ابتكارات واستثمارات تكميلية، إلا أنها تبشر بتغيرات تحويلية في ظروف البشر من أبعاد كثيرة. ولا يمكن وضع أي من هذه التنبؤات التكنولوجية بأي قدر من اليقين، وحتما سيتم تحقيق بعض الإنجازات التي لا يتوقعها أحد، في حين أن بعض الإنجازات الأخرى الواعدة ستكون مخيبة للآمال. ولكن إثبات حالة استمرار التقدم التكنولوجي بسرعة كبيرة للغاية لا يتوقف على مجال تكنولوجي معين أو غيره، إنما يستند ذلك إلى مشاهدة تطور التكنولوجيا والعلم معا بأسلوب تكافلي، من خلال منح الباحثين في مجال العلوم أدوات أقوى بكثير للعمل بها. وكان بعض هذه الأدوات معروفا في شكل أكثر بدائية على مدى قرون، في حين أن بعضها الآخر عبارة عن اختراعات أصلية ليست لها بشائر واضحة. وهناك كثير مثل الأدوات الجديدة التي عرفها القرن الـ17 في حقبة الثورة العلمية وعصر البخار والكهرباء، بينما الحواسيب الآلية عالية القدرة والليزر وغيرهما من أدوات عصرنا ستؤدي إلى إنجازات تكنولوجية لا يمكن تخيلها اليوم كما لم يتخيل جاليليو يوما اختراع القاطرات.

مشاركة :