يبدو أن الهجوم الواسع، الذي شنته حركة طالبان في شمال شرقي أفغانستان، قرب الحدود مع طاجيكستان، يعكس تكتيكا جديدا للحركة، لتقوية موقفها على الأرض، وبالتالي استهداف أكثر من عصفور بحجر واحد.فالهجوم جاء في ذروة تقارير متزايدة حول محاولات أمريكية لجمع الحكومة الأفغانية وحركة طالبان على طاولة الحوار، ولذا، قد يكون الهجوم، محاولة لإثبات قوة الحركة القتالية، بما يسمح لها بفرض شروطها في أي مفاوضات سلام محتملة.وفي حال لم يتم الاستجابة لشروط الحركة، واستمر القتال، فإنها، تراهن على استقطاب المزيد من العناصر المتشددة، مستغلة الاستياء الشعبي من تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد.ويبدو أن طالبان تأخذ في حسابها أيضا ظهور تنظيم داعش في أفغانستان، ولذا، فإنها تسعى لتوسيع سيطرتها على الأرض، وعدم منحه الفرصة للتمدد على حسابها، وهذا ما ظهر بوضوح في هجماتها الأخيرة.ففي 12 يوليو، كشف السكرتير الصحفي لمحافظ ولاية تخار الأفغانية، صنعت الله تيمور، أن طالبان سيطرت على معظم أراضي البلاد، الواقعة على الحدود مع طاجيكستان. ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن تيمور، قوله: "إن المتطرفين سيطروا على مواقع القوات الحكومية في مقاطعة خواجه غار بالقرب من الحدود مع طاجيكستان".وأضاف "هناك خطر من سيطرة طالبان الكاملة على مقاطعة خواجه غار، وكذلك مقاطعات أخرى في ولاية تخار، مثل داركار وينغي قلعة ودشت قلعة، الواقعة على الحدود مع طاجكستان، إذ لا توجد حاليا لدى السلطات المحلية القوات الكافية لصد هجوم الحركة".وجاءت تصريحات تيمور بعد أن شنت طالبان أيضا فجر الخميس الموافق 12 يوليو هجوما على وحدة عسكرية حكومية في قرية بول بمقاطعة مهمند دشت ارشي في ولاية قندوز في شمال شرقي أفغانستان، ما أسفر عن مقتل 32 جنديا أفغانيا وجرح 20 آخرين، فضلا عن اغتنام مسلحي الحركة جميع الأسلحة والذخائر والمعدات التي كانت بحوزة الوحدة العسكرية، التي هاجموها".وقبل أيام من التطورات السابقة، أفادت وسائل الإعلام الأفغانية بأن وحدة من الجيش متمركزة على الحدود مع طاجيكستان، غادرت نقاط تمركزها ليلا، خوفا من هجمات محتملة لحركة طالبان، بعد انتشار شائعات وتزايد الحديث بين السكان المحليين عن هجمات محتملة للمتشددين على هذه الوحدة. وفي اليوم التالي، وبعد التأكد من أن الشائعات المتداولة غير دقيقة، عاد الجنود إلى الثكنات ليتم مفاجأتهم فجر الخميس بهجوم مباغت وصاعق.وجاء الهجوم المباغت السابق بعد مرور حوالي شهر على أول هدنة بين القوات الحكومية وحركة طالبان تم التوصل إليها لمدة 3 أيام بمناسبة عيد الفطر المبارك في 15 يونيو الماضي، إلا أن طالبان رفضت عرضا حكوميا بتمديدها.وفي 20 يونيو الماضي، وبعد أيام من انتهاء هدنة العيد، شنت طالبان أيضا هجوما على قاعدة عسكرية للقوات الحكومية في منطقة بالا بإقليم بادغيس في غرب أفغانستان، ما أسفر حينها عن مقتل حوالي 30 من الجنود الحكوميين. ونقلت "رويترز" حينها، عن حاكم إقليم بادغيس عبد الغفور مالك زاي، قوله إن الحركة استهدفت قاعدة عسكرية في منطقة بالا، وتدفقت أعداد كبيرة من عناصرها من عدة اتجاهات.وشهدت أفغانستان احتفالات واسعة خلال عيد الفطر، بعدما أعلنت "طالبان" هدنة في البلاد بمناسبة العيد مدتها ثلاثة أيام بدأت الجمعة الموافق 15 يونيو وهي الأولى التي يتم إقرارها رسميا في أنحاء البلاد منذ الغزو الأمريكي في 2001، عندما طرد تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الحركة من السلطة في أكتوبر 2001، على إثر اعتداءات 11 سبتمبر.ودخل عشرات من مسلحى "طالبان" مدنا أفغانية للاحتفال بعيد الفطر، بعد إعلان وقف إطلاق النار المؤقت بينهم وبين الحكومة، في خطوة غير مسبوقة.وأعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني في 16 يونيو أن الحكومة ستمدد وقف إطلاق النار، وقال: "أعلن تمديد وقف إطلاق النار إلى ما بعد المهلة المحددة"، وأضاف "أطلب من طالبان أيضا تمديد وقفهم لاطلاق النار".وبدورها، رفضت طالبان تمديد وقف إطلاق النار، الذي تم تنفيذه خلال عيد الفطر المبارك، ونقلت "رويترز" عن الناطق باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد، قوله في 25 يونيو الماضي: "إن هذه الدعوات تكاد تكون دعوة للاستسلام للقوى الأجنبية"، ونصح ناشطي المجتمع المدني وغيرهم بعدم الانجرار وراء "حركات سياسية"، قال إنها لعبة في أيدي القوات الأمريكية والدولية التي ترغب "طالبان" في خروجها من أفغانستان، وتابع " لم يتحدثوا عن الاحتلال أو انسحاب الأجانب. هدفهم أن نتخلى عن السلاح ونقبل النظام الذي فرضه الغزاة".وبعد أن استمر تمديد الهدنة من جانب واحد قرابة 18 يوما، أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني انتهائها، واستئناف العمليات العسكرية ضد المتمردين.وتنتشر حركة طالبان في جنوب أفغانستان، خاصة في مدينة قندهار، التي تعتبر معقلها الرئيسي، وفي 31 يونيو الماضي، قالت آليس ويلز، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون جنوب ووسط آسيا، إن الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة مستعدتان للحديث مع حركة طالبان من دون شروط مسبقة.ونقلت "فرانس برس" عن ويلز، قولها في مؤتمر صحفي بالعاصمة الأفغانية كابول، إن "الكرة الآن في ملعب طالبان"، وأضافت "في الوقت الحالي، فإن قادة طالبان الذين لا يعيشون في أفغانستان هم من يشكل عائقا أمام التوصل إلى تسوية سياسية عن طريق التفاوض".وتابعت "يجب على باكستان ممارسة المزيد من الضغط على حركة طالبان الأفغانية للقبول بإجراء مفاوضات سلام مع حكومة كابول"، واستطردت ويلز، قائلة إن "لباكستان دور كبير، لكننا لم نشهد حتى الآن عملا مستمرا وحاسما من إسلام آباد، وسيكون من الصعب جدا علينا أن نحقق أهدافنا إذا لم تعمل باكستان معنا".وتوجه واشنطن اتهامات لباكستان منذ فترة طويلة بدعم "طالبان أفغانستان"، وتوفير الملاذ الآمن لقادتها، فيما تنفي باكستان هذا الأمر وتتهم بدورها أفغانستان بإيواء عناصر "طالبان الباكستانية".وجمدت واشنطن المساعدات العسكرية لآسلام آباد في يناير الماضي، بسبب ما سمته عدم تحركها لمنع الجماعات المتشددة من تهديد استقرار أفغانستان.
مشاركة :