أعترف أنني مع عالم الواتساب الأخضر اليابس، أصبحت أعيش يومي ب 5 شخصيات متنافرة وغير منسجمة، كما أعترف أنني أتشكل يومياً بصلصال القروبات الواتسابيّة ومعجونها الصلد الليّن، منذ إشراقة الصباح ووقت الذهاب إلى العمل، حتى يحين منتصف الليل ثم أخلع رأسي لأنام. زول هذه الشخصيات اليومية بداخلي، هي شخصية ثقيلة الطينة والدم، وهي شخصيتي في القروبات الإعلاميّة والثقافية التي ينحشر فيها عشرات الدكاترة والمستشارين والكتّاب والسياسيين والاقتصاديين والمنظّرين، وليس لي في هذه القروبات ثقيلة الدم سوى الانصياع للنقاش الرسمي المثقف، والمشاركة في كل شيء، من أخطاء التعليم وحتى مشروع إيران النووي، ثابتاً لا يرفّ لي جفن. الشخصية الثانية تظهر في قروبات القبيلة، وهي شخصية فيها الكثير من النفاق والدجل والانصياع لأعراف القبيلة وتقاليدها وعادتها وأخبارها المملة، ولست فيها سوى فلان ابن فلان الفلاني، الذي يجب ألا يشارك إلا بما يرفع الرأس ويبيّض الوجه والقفا. ثالث شخصية لي، تظهر في قروبات العائلة في دائرتها الصغيرة والكبيرة، وهذه الشخصية فيها الكثير من الكذب والتدليس، إذ لا بد أن أظهر بمظهر الأخ والابن والأب القدوة، وأنا الذي أكره كل القدوات في العالم، وأرى ألا يقتدي أي إنسان بغير نفسه، وأن يشكّل ذاته وشخصيته دون وصاية من أحد أو لحد. رابع الشخصيات هي شخصيتي في قروب العمل، وهذه الشخصية مارقة متزلفة طائعة وفي الغالب بلهاء، حيث لا بد أن ابتسم لنكتة بائخة من مدير، مثلما لا بد أن أشارك بشيء مفيد في حدود العمل، وأن أظهر بمظهر الموظف المثالي الذي يطيع رؤسائه ويجامل زملاءه، ويهذب من أخلاقه كي ينال رضاهم جميعاً، وكي لا تتأخر عليه هبة الترقية. خامس الشخصيات، هي شخصيتي الحقيقية للأسف، وغالباً ما تظهر في قروبات الأصدقاء والشعراء الشعبيين بالذات، حيث هنا آخذ راحتي على الآخر رامياً بغترة الرسميات وعقال العقل، كي أمارس جنوني وطيشي وطبيعتي مع من تجمعني بهم المواجع والشعر والبساطة، دون ترقية أو أعراف قبيلة أو وصاية قدوة أو نحنحة مثقف في نقاش بارد. أعتقد أن فكرة قروبات الواتس فكرة جميلة من الناحية التواصلية الإنسانية، لو أنها بقيت في حدود الصدق في التعامل، وظهر فيها الناس على سجيتهم الطبيعية دون تزلف أو مواربة في السلوك وفي القول. لقد أحرجنا هذا البرنامج الأخضر اليابس جداً، عندما وضعنا في اختبار حقيقي أمام ذواتنا وأمام الآخرين، فأنقسمنا فيه إلى فسطاطين، إما محبون للكذب والتصنع وارتداء الأقنعة وتبديلها وهؤلاء في الغالب لا يغادرون أي قروب يضافون إليه، وإما صادقون مع أنفسهم ومع غيرهم دون قناع، وهؤلاء كثيراً ما تتبعهم عبارة الواتس الشهيرة السهيرة: غادر المجموعة. أيها البرنامج الجميل القبيح، الكاذب الصادق، لقد جعلتني أردد الأغنية المصرية الشهيرة كل يوم وأقول: أنا مش أنا، أنا مش عارفني.
مشاركة :