كانت القاهرة القديمة ثرية بأبوابها التاريخية، والتي لم يبق منها إلا ثلاثة فقط، أشهرها باب زويلة الذي كان يُشتهر بالخرافات وبرائحة الموت، حيث علقت عليه رؤوس رسل هولاكو قائد التتار حينما جاؤوا لغزو مصر، كما أعدم أيضاً على بوابته السلطان «طومان باي»، آخر سلاطين مماليك الشراكسة. وتروي كتب التاريخ أنه كان من بين الأهداف المهمة التي حددها وأعلنها القائد الفاطمي «المعز لدين الله» عند استعراضه لجيش جوهر الصقلي قبيل رحيله للاستيلاء على حكم مصر، هو تشييد مدينة «تقهر الدنيا»... وعند تأسيس جوهر الصقلي لمدينة القاهرة، والبدء في بناء سور المدينة في سنة 358ه، قرر أن تكون هذه المدينة حصناً حصيناً يقيم فيها «المعز لدين الله» مع أتباعه وحاشيتِه وجنودِه المَغاربة، بمعزل عن المصريين، فأصبحت القاهرة في ذلك الوقت مقراً للحكام وقادة الجيش والوزراء، ولم يكن لسكان مصر أن يدخلوها إلا بأذن مكتوب يسمح لحامله أن يدخل إليها من أحد أبوابها وذلك تنفيذاً لأوامر المعز لدين الله الفاطمي الذي أمر قائد جيشه جوهر الصقلي ببناء سور خارجي من الطوب اللبن على شكل مربع به ثمانية أبواب. أبواب القاهرة الثمانية لم يكن مسموح بدخول القاهرة إلا عن طريق ثمانية أبواب هي: بابان في الضلع الشمالي، أحدهما: باب الفتوح، والآخر: باب النصر، وفي الضلع الجنوبي: بابان أحدهما: باب زويلة، والآخر: باب الفرج، وفي الضلع الشرقي: بابان أحدهما: باب البرقية (التوفيق)، والآخر: باب القراطين، وفي الضلع الغربي: بابان أحدهما: باب القنطرة والآخر: باب سعادة. وجاء في خطط المقريزي أن معظم أجزاء السور الذي بناه جوهر الصقلي 358ه قد تهدمت، وزالت معظمها ولم يبق منها إلا ثلاثة أبواب فقط هي باب «زويلة»، «النصر، الفتوح». باب زويلة تم بناء هذا الباب سنة 484 ه، وكان عبارة عن بابين متلاصقين بجوار المسجد المعروف اليوم ب «سام بن نوح»، ولما قدم المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة دخل من أحدهما وهو الملاصق للمسجد الذي بقي منه اليوم عقد ويعرف بباب القوس فتيامن الناس به وصاروا يكثرون الدخول والخروج منه، وقد سمي باب زويلة بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة زويلة، إحدى قبائل البربر، التي قطنت شمال إفريقيا وحضرت مع القائد جوهر الصقلي إلى مصر، وبعد دخول الفاطميين مصر استقرت عند هذا الباب بعد بنائه. وهذا الباب يشغل مساحة مربعة يبلغ طول كل ضلع فيها 25 متراً، وله برجان مقوسان عند القاعدة تغلب عليهما الاستدارة وممر مسقوف بقبة، نجحت عوامل الزمن في إخفاء معظم زخرفتها، ويعتبر هذا الباب أضخم وأشهر أبواب القاهرة التاريخية حتى الآن ويعرفه كل مصري وعربي، وقد كانوا يعلقون عليه رؤس المحكوم عليهم بالإعدام ليراهم كل عابر وليكونوا عبرة لمن يعتبر. ومن أشهر من طاحت رؤسهم وتعلقت على هذا الباب الأمير المملوكي الجركسي (طومان باي) حاكم مصر قبيل الفتح العثماني لها. وفي عصرنا الحالي فقد باب زويلة أهم وظائفه فلم يعد يمثل أحد مداخل القاهرة بعد أن اتسعت المدينة وامتدت المباني خارجها فيما تلى العصر الفاطمي من حقب ثم انتهى تعليق رؤوس المتمردين عليه منذ أوائل القرن الماضي، حيث كانت تعلق عليه جثث ورؤس المجرمين الخطرين، وخاصة أسرى الحرب، لتكون عبرة للناس، وهو في ذلك يشبه شارع الاسترباد في باريس الذي أقيمت عنده المقاصل، والطريف أن العامة يطلقون على باب زويلة اسم «بوابة المتولي»، والسبب أنه كان يجلس في مدخله الشخص الذي كان يتولى تحصيل ضريبة الدخول إلى القاهرة، وكان يُطلق عليه لقب «المتولي». وبعد مرور ما يزيد على ألف عام، هي عمر باب زويلة بقي اعتقاد قديم لدى بعض نساء العامة من الناس أن من لاتستطيع أن تنجب (النساء العقيمات) تستطيع أن تدق مسماراً وتعقد عليه بعض الخيوط عندئذ قد تتحقق أمنيتها وتنجب ولداً، غير أن باب زويلة ما زال يحتفظ بعلامات من الوظيفة التي ظل يمارسها لأطول فترة من الزمن، إنه الباب الدامي الذي كانت تتعلق عليه الرؤوس، والذي ما زال شامخاً يتحدى الزمن. وكان باب زويلة أيام المماليك يكّون مدخل السلاطين إلى المدينة من جهة القلعة، وعلى مقربة منه كان يقوم سوق الحلاويين، وهم من تخصصوا في صناعة الحلوى الملونة والدمى المصنوعة من السكر. باب النصر باب النصر: بُني عام 480 ه ويتكون من برجين مربعين نقش عليهما في الحجر أشكال تمثل بعض آلات الحرب من سيوف وتروس، ويتوسط البرجين باب شاهق وجدت به فتحة من أعلاه، كي تصب منها المواد الكاوية على من يحاول اقتحام الباب يُطلق عليها سقاطة، ويعلو هذه الفتحة أفريز يحيط بالقلعتين وبها كتابات كوفية تضمنت اسم المنشئ وتاريخ الإنشاء، والباب الموصل لداخله حديث العهد، وربما تم فتحه في عهد الاحتلال الفرنسي لمصر. أما الباب الأصلي فإنه في الركن القبلي الشرقي وهو الآن مسدود بالبناء. وأصبحت منطقة باب النصر- حالياً - مكتظة بتجار الأقمشة ومن يتصل بهم من أصحاب الحرف مثل النساجين والصباغين والخياطين والغسالين والرفائين والكوائين والرسامين. باب الفتوح باب الفتوح: بُني عام 480ه وكان موقعه عندما أسسه جوهر الصقلي قريباً من رأس حارة (بين السيارج)، فلما جدد بدر الجمالي سور القاهرة أنشأ باب النصر والفتوح في موضعهما الحالي وربطهما بسور يوصل بينهما بطرق وسراديب على ظهر السور وفي جوفه بإحكام، ويتكون هذا الباب من برجين مستديرين يتوسطهما المدخل وفي فتحتيهما حلية مكونة من أسطوانات صغيرة، وهي نوع من الزخارف راج في ما بعد في تحلية دوائر العقود، وفي أعلى المدخل تماثيل على هيئة كبش بقرنين. ويتصل باب النصر بباب الفتوح بطريقتين: إحداهما من فوق السور والآخر من تحته، وهو ممر معقود على جانبيه الحجرات بحالة متقنة تعطي فكرة جيدة عن نظام الحصون المصرية في ذلك الوقت. وفي داخل باب الفتوح، توجد حوانيت القصابين وتجار الحبوب والخضر وغيرهم من الباعة، وهو من أشهر أسواق القاهرة وأكثرها ازدحاماً ويقصدها الناس من كل مكان في مصر، ليشتروا جميع أنواع الخضر وشتى أصناف اللحوم من ضأن وبقر وماعز.
مشاركة :