بدلة «آدم» وصبر «أيوب»!

  • 7/14/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

هكذا كوّن أيوب انطباعاً طاغياً يقول «إن البشر أكثر خداعاً من التلفزيون»... كيف تكوّن هذا الانطباع؟ علينا أن نحكي من البداية.ذات يوم قرر أحد مخرجي إعلانات التنظيف أن يصوّر في قرية نائية مشهداً لرجل يرتدي بدلة جميلة وثمينة وهو يسقط في بقعة ماء من أقذر بقع الكوكب، فوقع الاختيار على قرية أيوب ووقع الاختيار على آدم، وهو ذلك الرجل الذي عاش طول عمره بين أهل القرية بسيطاً لا يُسأل عنه إذا غاب ولا يُستمع إليه إذا حضر، من الذين لا يسألون الناس إلحافاً ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، ولكن بسبب نظرة سينمائية ما وقع الاختيار على «آدم»، وبعد تصوير الإعلان همس آدم في أذن المخرج قائلاً: «لا أريد الأجر... أريد الاحتفاظ بالبدلة».كان لا بد لهذا الحادث أن يقع من أجل أن تتغير أمور كثيرة وينشأ عنها طبقة وسطى لا تحلم بتغيير اقتصاد القرية، ولكنها تحلم بارتداء البدلة!ومنذ ذلك اليوم، أصبح بيت آدم قبلة لكل الشباب الطموحين الذين تشرئب أعناقهم للمدينة.ومما ساعد على نشوء طبقة وسطى في القرية، أن آدم كان لا يرفض طلباً لأي شاب يريد استعارة البدلة من أجل مقابلة وظيفية أو خطبة زوجية أو من أجل استقبال السيد المحافظ الذي كان دائماً يذكّر أهل القرية بأن حضوره من أجلهم يعتبر إنجازاً عليهم أن يفتخروا فيه، ولكنهم لاحظوا أن ارتداء البدلة أمامه خفف من تلك النبرة حيث أصبح يقول: «يشرفني كما يشرفكم أن أكون بينكم اليوم».وذات يوم، استعار أيوب البدلة، ووقف أمام المرآة بحذاء لا ينقصه سوى ذيل، ليتحول إلى تمساح وردد في نفسه: «وكأن القدر قام بسلسلة طويلة من الإجراءات من أجل هذه اللحظة».خرج من بيته ومر بجانب أقذر بقع الكوكب، والتي هي عبارة عن حفرة يتم فيها التخلص من الفضلات البشرية للفقراء وبقايا طعام الأغنياء وقيء كل المرضى الذين لم يكن لهم أسرة في المستشفيات.نظر للحفرة وردد قائلاً: «لن نعبر الحياة دبيباً بعد اليوم، وبهذه البدلة الجميلة التي خرجت من هنا، سيكون لنا شأن هناك».وهناك أمام مبنى المحافظة، وقف يحدق في رؤية الدولة (جيل شبابي قادر على بناء المستقبل). وعند السكرتيرة التي بدا أنه تم اختيارها لكي لا تثير غيرة زوجة السيد المحافظ، جلس أيوب ليكتب في ورقة... الاسم والعنوان وسبب المقابلة.«أريد أن أقدم مبادرة للتخلص من أقذر بقع الكوكب، وبناء جسر وظيفي بين القرية والمدينة، واستصلاح الأرض الزراعية المهملة التي تم إهداؤها لقريب السيد المحافظ»... هكذا كتب «أيوب».السيد المحافظ: «أهلاً وسهلاً... اجلس من فضلك».أيوب: «شكراً لك... بصراحة لقد جئت اليوم من أجل...».يقاطعه المحافظ: «مفهوم... مفهوم... ولكن كما تعلم فنحن للتو خرجنا من رمضان، كل عام وأنت بخير، ثم هل هلال العيد وكل عام وأنت بخير أيضاً، ثم هناك متلازمة غياب ما بعد العيد، وكل هذا في فصل الصيف والإجازة الدراسية وكل عام وأنت بخير أيضاً. لذلك، دع مبادرتك هنا ونحن عندنا لجنة تقوم باللازم».شعر أيوب بالخوف من كلمة «نحن سنقوم باللازم»، ولكن من دون أن يعرف السبب، شعر بأنها تليق بضابط في الداخلية، وليس لاستقبال مبادرة شبابية.خرج واتجه إلى الباب وهو يمسح قطرات العرق التي تفجرت من مسامات جبهته، وطول الطريق كانت صورة آدم وبدلته والمخرج السينمائي والإعلانات عن النظافة تتراقص أمامه.خرج وأغلق الباب وراءه بهدوء وهو يعبر الممر دبيباً.ومنذ ذلك الوقت وهو يردد لكل من يقابله: «الناس أكثر خداعاً من التلفزيون».يقال إنه لم يعد للقرية، وساح على وجهه في البراري والقرى المجاورة. أما آدم صاحب البدلة، فقد اختل توازنه وفقد عقله وظل جالساً أمام البقعة ينتظر الشروق ويدخن السجائر عند الغروب وينظر للأفق متحسراً على البدلة.بعد أعوام عدة، أصبحت البقعة مزاراً لكل مخرجي إعلانات التنظيف وبعض الفرق التطوعية... وظهر في القرية ألف آدم وألف أيوب.كاتب كويتي moh1alatwan@

مشاركة :