الجزائر - يروي الباحث الجزائري الصادق سنوسي في كتابه “من بوابة الصحراء الجزائرية إلى محراب الفيزياء في فرنسا”، فصولا من سيرته الذاتية التي نقلته من مجرد عامل مهاجر بسيط، ليصبح باحثا، ثم مديرا للبحث العلمي في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا. حل هذا المهاجر الجزائري المتواضع بفرنسا سنة 1957، وعمره 19 سنة، ويومها كانت الجزائر تخوض حربها التحريرية ضد الاستعمار، وكان وقتها أميا أو يكاد، لكن تعطشه إلى العلم دفعه لتغيير واقعه، وبسرعة استطاع تكييف عمله في مجال البناء مع العالم الجديد الذي اكتشفه، وانتهى به الأمر إلى الحصول على شهادة البكالوريا، والتسجيل في فرع الفيزياء بجامعة السوربون، وولوج عالم البحث العلمي. ويعود الباحث بالقراء إلى قرية ليانة التي ولد بها والواقعة على حافة الصحراء، والتي لم يكن سكانها يعرفون الماء الموصول بالمنازل، ولا الغاز ولا الكهرباء ولا الهاتف ولا المذياع، ولا الطبيب، ولا الطرق المعبدة ولا المدرسة بالمفهوم المعاصر. ومع ذلك، فقد كانت القرية تتمتع بحياة اجتماعية ثرية، تتمثل في بؤر مصغرة تعج بالأزمات والمشاحنات، وبقصص الحب والصداقة. كما لم تعدم حياة فكرية ذات توجه خاص نحو أفكار جمعية العلماء المسلمين والحركة الوطنية في المغرب الكبير، قبل أن تهزها أحداث حرب التحرير. وقد أنشأ هذا الجو العام يقظة في ذهن الشاب الصادق وعطشا للمعرفة والحلم بأن يصبح عالما بالمفهوم الديني واللغوي لذلك الوقت. وفي مقدمة الكتاب الصادر عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، والتي كتبها ألبير فيرت، الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء (2007)، تأكيد على أن مسيرة الصادق سنوسي، من طفولته الصحراوية إلى تقلده رتبة باحث، مرورا بتجاربه كمهاجر وتلميذ مداوم على دروس محو الأمية، تستحق أن تروى بالنظر إلى كونها مسيرة استثنائية. والمدهش في هذه السيرة أن صاحبها ظل طوال مساره، يستمد من إرادته الراسخة في استكشاف عوالم فرنسا والعمال المهاجرين في ضواحي باريس، فضلا عن اكتشاف القراءة والكتب والصحف وتعلم مهنة ومواصلة التعلم للحصول على الشهادة الابتدائية واجتياز البكالوريا، ثم الذهاب أبعد للحصول على الدكتوراه ومهمة باحث في الفيزياء في مختبر من أعلى المستويات، حيث انتهى به الأمر مديرا للبحث العلمي في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا. ويتضمن الكتاب سردا لحكايات كثيرة عاشها المؤلف خلال سنوات طفولته وشبابه في البيئة الصحراوية التي لا تخلو من الخرافات التي تحكيها العجائز، كما يتحدث في ثناياه عن العلاقات التي ربطته بفرنسيين أصليين، ومراهنته على إتمام دراسته مهما صادفه من صعوبات وعراقيل. وعندما يمر سنوسي إلى استعراض حياته الطلابية، ينتابه الحنين إلى الأجواء التي سادت الحي اللاتيني بباريس خلال ستينات القرن الماضي. أما القسم الأخير من الكتاب، فيخصصه المؤلف لسرد خطواته في عالم البحث العلمي، والحياة التي قضاها بين جدران المختبرات الفرنسية التي بدأ فيها مجرد باحث، إلى غاية نبوغه وتمكنه من إحراز أعلى المراتب العلمية.
مشاركة :