الجزائر تنهج سياسة ثلاثية الأبعاد تجاه الأزمة الليبية

  • 12/14/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تسعى السلطات الجزائرية إلى المساهمة في المساعي الدولية لإيجاد مخرج للأزمة الليبية، بتوظيف قدراتها الدبلوماسية والعسكرية والإنسانية في وقت واحد. فهي تبذل، منذ شهرين، جهودا لإقناع أطراف الأزمة بتنظيم حوار بالجزائر، ونشرت من جهة أخرى تعزيزات على الحدود بين البلدين (900 كم) لمنع تسرب السلاح الثقيل إلى ترابها والحيلولة دون وقوعه بين أيدي الجماعات الجهادية المتطرفة. وموازاة مع ذلك، استقبلت في الآونة الأخيرة المئات من المدنيين الليبيين الهاربين من جحيم الاقتتال بين الميليشيات المسلحة. ونقل مسؤول بالحكومة الجزائرية، تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، أن رئيس الوزراء عبد المالك سلال أبلغ نظيره البريطاني ديفيد كاميرون أثناء الزيارة التي قادته إلى بريطانيا الخميس الماضي، بأن الجزائر «حريصة على تفادي أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا، بدعوى إبعاد خطر تنظيم داعش عن المنطقة». وترى الجزائر، حسب المسؤول ذاته الذي تحفظ على نشر اسمه، أن الحملة العسكرية التي قادها حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2001، وأدت إلى الإطاحة بنظام معمر القذافي «جلبت الخراب لليبيا ولكامل المنطقة». وتعتبر الجزائر نفسها المتضرر الأول من الفوضى التي تجري في ليبيا منذ مقتل القذافي، إذ تفيد تقارير الاستخبارات الجزائرية بأن كمية كبيرة من السلاح الثقيل، المتسرب من الترسانة الحربية الليبية، توجد بين أيدي تنظيمات محسوبة على «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي». وأكثر ما يخشاه الجزائريون أن ينتقل هذا السلاح إلى الشمال، فيصل إلى معاقل التنظيم نفسه الذي تقول الأجهزة الأمنية إنها كسرت شوكته. ولهذا السبب نشر الجيش الجزائري المئات من أفراده على الحدود، تحسبا لأي طارئ. وعبر وزير الخارجية الجزائري رمضان العمامرة، الخميس الماضي، بمناسبة مؤتمر حول الأمن في أفريقيا، عن رفض الجزائر أي حل لأزمة ليبيا يأتي من خارج أفريقيا. وقال بالتحديد إن «أفريقيا لم تتخل أبدا عن مسؤولياتها حيال الليبيين في أزمتهم، التي تم تسييرها منذ 2011 بشكل غير مطابق مع ما كان يريده الاتحاد الأفريقي». ودعا الوزير الجزائري البلدان الأفريقية إلى «تبني مواقف توافقية حول الأزمة الليبية بما يسهل التنسيق مع الأمم المتحدة، لإيجاد حل لهذه المشكلة». وضمن هذا المنظور، أطلقت الجزائر في أغسطس (آب) الماضي مساع باتجاه كل أطراف الأزمة، بما فيها رموز النظام السابق، بهدف تنظيم حوار على أرضها يفضي إلى مصالحة وطنية. وأرسلت الجزائر مبعوثين إلى الأحزاب السياسية ومسؤولين بالميليشيات المسلحة، حاملين دعوة للمشاركة في لقاء بالجزائر. لكن المسعى لقي عراقيل كثيرة، أهمها أن عدة أطراف تحفظت على حضور محسوبين على النظام السابق، الحوار المرتقب. ومن بين الذين تلقوا الدعوة أحمد قذاف الدم ابن عم العقيد معمر القذافي. وصرح محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء الإسلامي المقرب من جماعة الإخوان في مصر، للصحافة المحلية بأنه يعترض بشدة على حضور قذاف الدم. وأفاد بأنه يبارك «جهود الجزائر الرامية إلى رأب الصدع في ليبيا، خصوصا أنها تحرص على إبعاد الأجانب عن التدخل في شؤون ليبيا. لكننا نعتقد أن دعوة من كانوا في الدائرة الأولى للعقيد القذافي إلى الحوار لن تخدم المسعى الجزائري ولن تحل الأزمة». ورد أنصار القذافي بحدة على هذا الموقف، وقللوا من شأن معارضيهم عدديا. ويذكر قوي بوحنية، عميد كلية العلوم السياسية بجامعة ورقلة (جنوب)، بخصوص مساعي الجزائر في شقها السياسي «تريد الجزائر أداء دور محوري في إدارة الشأن الليبي باعتباره يشكل حالة متفجرة تتدحرج ككرة الثلج. فهي تؤمن بالقطع بأن أي تفاقم في الوضع الليبي ستكون له عواقب على الأمن الداخلي الجزائري بفعل طول الحدود بين البلدين التي تتجاوز 900 كم. يضاف إلى ذلك تنامي ازدياد الجريمة المنظمة، وتزايد تدفق السلاح الثقيل والخفيف بكل أنواعه، مما سيشكل تحالفا استراتيجيا بين الجماعات المسلحة، وسماسرة الجريمة المنظمة بكل أنواعها». وأضاف بوحنية، وهو أيضا باحث في القضايا الاستراتيجية «تشير الدراسات المتخصصة في الشأن الأمني إلى أن ما يتداول من سلاح في ليبيا يكفي لتسليح ست دول أفريقية صغيرة، وهو ما يعد حقيقة تهديدا لدول الجوار. فالجزائر تحاول المحافظة على هذا الدور الاستراتيجي وسط أطراف إقليمية ودولية، تريد منازعتها هذا الدور وهي ترى في دبلوماسيتها الأمنية أداة لصناعة الاستقرار في أفريقيا». وتابع «لقد استفاقت الجزائر على وقائع من ليبيا، تؤكد أن هناك تغولا على أجهزة الدولة الشرعية من طرف ميليشيات مسلحة. وتتجه ليبيا للأسف نحو مشروع اللادولة أو على الأقل الدولة الهشة والمنهارة والميليشياوية. وهذا الفشل المؤسساتي يؤثر سلبا على الدولة الجزائرية، التي ستتحمل لا محالة تبعات انهيار المؤسسات في ليبيا». ويعد الشق الإنساني في أزمة ليبيا من أبرز أوجه تداعياتها على الجزائر، إذ يفيد مراسلون إعلاميون متمركزون في ولاية اليزي، القريبة من الحدود الليبية، بأن سلطات الولاية استقبلت خلال الشهرين الماضيين أكثر من مائتي ليبي أصيبوا بجروح خلال مواجهات بين ميليشيات مسلحة بالمدن القريبة من الحدود. وتم نقل الجرحى إلى مستشفيات وعيادات بمدن الجنوب الجزائري، بينما استدعى نقل المصابين بجروح خطيرة إلى مستشفيات بالعاصمة. ووضعت السلطات فريقا طبيا بالمعبر الحدودي «تينالكوم» بمنطقة جانت، لاستقبال الجرحى. وقد تمت إعادة البعض إلى الجانب الآخر من الحدود بعد تلقي العلاج.

مشاركة :