في أوائل السبعينات كنت سفيراً لدولة الكويت في اليمن الشقيق (صنعاء)، الذي كان يرأس الجمهورية فيه آنذاك فخامة الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني، وكان يتخذ من مدينة تعز مقراً صيفياً له، ولذا فعلى كل من له حاجة اللقاء به، سواء كانوا سفراء أو رجالات دولة أو زواراً، التوجه إلى مدينة تعز لمقابلة فخامته. لموضوع مهم يتعلق بالعلاقات الاخوية بين الكويت والشقيق اليمن يحتاج عرضه على الرئيس، قمت بزيارة مدينة تعز، وبعد ان أنهيت مهمتي عدت إلى صنعاء ومن معي من الزملاء، متخذين الطريق الساحلي الذي يمر على مدينة الحديدة في طريقنا إلى صنعاء، وفي الحديدة قررنا زيارة المحافظ الشيخ سنان أبو اللحوم لإلقاء التحية والسلام عليه. وحسب عادات الشيخ سنان، فقد أصر على أن نتناول وجبة الغداء بمعيته في الحديدة، وبعد أن تناولنا الغداء وجدنا أن الوقت كان متأخراً، ولذا اقترح علينا الشيخ سنان ابو اللحوم المبيت في ضيافته بمدينة الحديدة، على أن نواصل طريقنا لصنعاء صباح يوم غد، لا سيما أن الأوضاع كانت غير آمنة، وأن الأجواء مضطربة بسبب المناوشات والاختراقات العسكرية بين شمال اليمن وجنوبه، عندها اودعنا أنا وزملائي معسكراً قريباً من مقر إقامته للبقاء تلك الليلة هناك حيث استضافنا به. وجدنا للأسف الشديد أن الوضع في المعسكر غير مريح، وبينما نحن في تلك الحال، وإذا بمدير شركة دانا الكويتية لصيد الاسماك يأتي لزيارتنا، عندها دعانا لقضاء ليلتنا في باخرة تابعة للشركة أعدت كاستراحة للضيوف وكبار الموظفين. وبما أن الوقت كان متأخراً والبلاد كانت في حال طوارئ، لذا فإن الأمر يحتاج إلى أخذ إذن بالخروج من الميناء إلى الباخرة. حصلنا على الإذن المطلوب من الرئيس الشيخ سنان ابو اللحوم، بصفته المسؤول الأول في المحافظة، وقد أبلغ به رجال إدارة الميناء، إلا أنهم وللأسف الشديد لم يبلغوا الإدارة العسكرية التي تتولى أعمال حراسة الميناء، ولذا فقد تعرضنا عند الخروج من فم الميناء إلى وابل من الطلقات النارية، ولولا عناية الله لكنا في عداد المفقودين، وفي العودة بعد أن قضينا ليلتنا في الباخرة وعند دخولنا الميناء استولت قلة من مجموعة من العسكريين على قاربنا، معلنين اعتقالنا، ثم قادوا القارب ومن به إلى مرسى الميناء، الذي وجدنا به في استقبالنا قائد الفريق العسكري ومجموعة من العسكريين. تدخل مدير شركة دانا، التي نحن بضيافتها، لدى القائد العسكري شارحاً له أن من تحاولون اعتقاله والمجموعة التي معه هو «سفير دولة الكويت» ومجموعة من أعضاء السفارة، وتصرفكم هذا يعتبر خرقاً للأعراف الدبلوماسية، رد القائد العسكري بكل برود: إذا كان هذا سفيراً كما تدعي فهو سفير في بلاده ليس عندنا. وهنا فقد عذرت سيدنا قائد الفريق العسكري اليمني لعدم معرفته بمعنى الأعراف الدبلوماسية، وماذا يعني السفير. محمد سالم البلهان* *سفير سابق
مشاركة :