كهل في أقصى تهامة نزلت به نازلة ليس لمثل وقعها عليه شبيه فشمر عن ساعديه مستعيناً بالمولى بعدما خطفت ابنته، ولكن سرعان ما خارت قواه فتحولت رحلته إلى المستشفى شمالاً بعدما كانت لصنعاء اليمن جنوباً ليستعيد فلذة كبده التي اقتيدت من منزله الذي كان إلى تلك الليلة المشؤومة بخير.. إنها المصائب عندما تحل تأتي مجتمعة تحرم من تصيبه حتى من نعمة التفريق بين مناديل مكفكفي دموعه وأصوات المطمئنين.. ولا شيء يشرح خاطر ذلك المسن إلا رؤية من فارقت عيناه مخطوفة إلى أرض اليمن بمباركة من رجال أمن سلموها مع حفنة من مجهولي الهوية إلى أرض ليست أرضها وأناس ليسوا أهلها رغم البلاغات والتنبيهات إلى أن هناك مخطوفة تقتاد نحوكم فكونوا عيوناً نبيهة وليس لنا غير الله رقيب.. ولكن قدر الله وما شاء فعل.. يقال إن ضربتين في الرأس توجع، فما بال هذا الكهل تجلده ضربات الشوق لفلذة كبده، وسط مواعيد بعودتها سرعان ما يكشف زيفها، فاجتمع الخوف والألم والقلق على هامة الصبر والاحتساب.. ناشد وما زال يناشد كل من يستطيع تقديم العون له في التعجيل بعودة ابنته التي كثرت أخبارها وتاه في زحامها محتاراً أيها يصدق، وما يزيد الطين بلة أنه ورغم مصيبته العظيمة التي أغرقت عيناه دمعاً وفتت كبده ألماً، فإن هناك صحفيون يعملون بصحف ورقية عريقة استغلوا طيبة ذلك الرجل ورغبته الملحة لإيصال صوته واستجداءاته، وتقولوا عليه ما لم يقله للإثارة الصحفية وحسب. ثلاثة أسابيع على غياب تلك الفتاة ربما تكون بمعايير البعض قصيرة وربما تأخذ المفاوضات في استلامها وإعادتها إلى أحضان ذويها أياماً أو حتى أسابيع ولكن كم يا ترى يساوي اليوم عند من ينتظر اللحظة التي تجمعه بها على أحر من الجمر؟ هذا التساؤل يأخذنا إلى السفارة السعودية بصنعاء.. يا ترى كم من الوقت تحتاجين لإعادة تلك الفتاة؟ عزيزتي السفارة: كم نأمل ألا تتحول قضية فتاة بحر أبو سكينة إلى قضية مشابهة لقصة جلعاد شاليط، فتصبح الأيام أسابيع، والأسابيع شهوراً وسنين، فهي لم تخطف إلى أرض الأعداء، بل إلى دولة جارة تربطنا بها علاقة جيدة وأغرقناها بالمساعدات والهبات والمبادرات.. فإن عجزت دبلوماسيتكم عن فك طلاسم تلك القضية، فأمرنا لله، وليس أمام والدها إلا الدعاء، وقدر تلك الفتاة أن تضيع بين طلاسم الدبلوماسية، وطلاسم السحر الذي ساقها كالكفيفة لتغادر الأهل والوطن إلى المجهول. أقر الله عيون والديها بعودتها قريباً ولا أراكم مكروهاً.
مشاركة :