صدر العدد الثانى من مجلة المرجع فى الأسواق الأوروبية، والكراسة الاستراتيجية المعنونة بـ«لماذا ينضم شبان أوروبيون لداعش؟» الصادرين عن مركز دراسات الشرق الأوسط فى باريس، وذلك بلغات أربع هى الألمانية والإنجليزية والفرنسية والعربية.وتضمن العدد كراسة متخصصة للدكتور محمود عبدالله حاولت أن تجيب عن سؤال مركزي، وهو لماذا ينضم الشباب الأوروبى إلى «داعش»؟ واعتمدت فى ذلك على النظر فى ثمانية محاور أساسية رأتها ضرورية لتجيب عن الأسئلة الفرعية التى خرجت من عباءة السؤال المحوري، وتبين من واقع هذا الطرح أن التطرف الأوروبى ليس جديدًا على الساحة الدولية، فقد بدأ باكرًا فى السبعينيات والثمانينيات على يد التنظيمات المسلحة المنتمية لليمين واليسار، مع تصاعد موجة الخوف من الشيوعية والمهاجرين من جهة اليمين، والقلق من آثار العولمة وتبعاتها من جهة اليسار، ومع ما جرى على الأرض الروسية من تطورات، انتقل التطرف إلى الأوروبيين المسلمين، وبعدها أصبح مألوفًا أن ينضم الأوروبيون لتنظيمات إرهابية.وأشار الباحث إلى أن عملية الانتقال تغيرت وتمثل ملامحها فى مسارين، أولهما: تَعَلَّق بالفئة المستهدفة للتجنيد، وثانيهما يتصل بطُرق التجنيد المستخدمة، فمن ناحية تَغَيَّرَ نمط الفئات العمرية المنضمة باتجاه فئة المراهقين، الذين يحلمون ببناء يوتوبيا الخلافة الإسلامية، أو يناصرون خطابًا إنسانيًّا يحمى حقوق المضطهدين. ومن ناحية ثانية، لم تعد المراكز والمؤسسات الدينية مصدرًا للتجنيد فقط، بل أصبح لوسائل الاتصال الاجتماعى دور مهم فى عملية التجنيد، وفى الدعاية للتنظيم، وفى إبراز قوته ووحشيته فى مواجهة خصومه، وفى الإعلام بشأن معاركه ورسائله التى يرسلها للدول والحكومات المستهدفة، وفى جلب تأييد المنظمات الإرهابية الأخرى المنتشرة فى ربوع المعمورة.وأكد الباحث من خلال الكراسة أن كل المساعى التحليلية التى تهدف للتعرف على مبررات مقنعة للأسباب التى تدعو للانضمام إلى تنظيم إرهابى كـ«داعش»، هى محاولات مآلها الفشل إن أبقت على عامل واحد، أو حتى مجموعة من العوامل الحتمية، إذ لا إمكان لذلك، فتناول الظاهرة من ناحية السياق المنتج لها، يُبين لنا أن كل حالة أوروبية لها خصوصيتها التى تتمتع بها، وتجعلها مصدرًا من مصادر تجنيد العناصر الجديدة، فالحالة البريطانية بسياسة الدمج الرسمية فيها، وطبيعة المهاجرين الذين يتغلبون بها، تختلف بطبيعة الحال عن الحالة الفرنسية التى تنتهج هى الأخرى سياسة دمج مختلفة، ولديها نوعية مختلفة من المهاجرين. وشدد الباحث على أن انضمام الشباب الأوروبى إلى التنظيمات الإرهابية كان من مختلف الطبقات المتوسطة والدنيا والعليا، كما أن الظاهرة عابرة لحدود المكان؛ حيث لا تقتصر على قطر أوروبى دون آخر، بل نجدها قابلة للحضور فى أقطار أوروبية عديدة، مختلفة فى سياقاتها وسياساتها، وطبائع علاقتها بالعالم العربى والإسلامي، كذلك تنطوى الظاهرة على تطور جديد، يكسر الحدود النوعية، فنجد عناصر نسائية منخرطة فى أعمال التطرف، على غير ما نجد فى الجيل السابق من المجاهدين. وخلص من خلال الكراسة إلى أن انتهاج سياسة عادلة مع الحالات المعرضة لخطر الإرهاب، هو الطريق الأفضل لحماية المجتمع من مَخَاطِرِه، فهذه الحالات التى لم تعد فقط واقعة فى الفترة العمرية الشابة، بل غدت من المراهقين أيضًا، فإجراء حوارات بناءة معهم، تتناول مشكلاتهم فى أماكن معيشتهم، وأماكن عملهم، وجامعاتهم ومدارسهم، قد يُساعد فى اختيار السياسات الملائمة للمواجهة، بما فى ذلك إدخالهم لبرامج تدريبية تعرفهم بمخاطر الإرهاب فى الراهن والمستقبل، وتُعيد تركيب طريقتهم فى معالجة القضايا، وإيضاح تعقد الظواهر البشرية، وتعدد المنظورات المحتملة لها.
مشاركة :