حينما قررت الإدارة الأميركية الهجوم براً وجواً على العراق عام 2003 بحجة امتلاك النظام العراقي أسلحة نووية، التي تبين لاحقا أنها لم تكن موجودة أصلاً باعتراف المسؤولين، لجأت الحكومة الأميركية إلى توجه إعلامي اعتبر ذكياً، إذ لم ينتبه إليه ملايين الناس. هذه الحيلة أو محاولة تشتيت انتباه الناس، كما وصفها العالم الشهير في علم النفس السلوكي والتأثير روبرت سيالديني، تتمثل في أن إدارة الرئيس بوش جعلت الناس تنشغل بـ«ـكيف» تجري أحداث الحرب بدلاً من «لماذا» اندلعت المعركة، وذلك عبر اتفاقها مع عدد من المؤسسات الإعلامية الكبرى لاستضافة الإعلاميين والصحافيين للمبيت في معسكرات الجيوش ومرافقتهم في كل تحركاتهم. وبالفعل رأينا جميعاً ذلك في الإعلام الأميركي وفي قنواتنا العربية بالصوت والصورة، وربما بطريقة غير مسبوقة في تغطية الحروب. وكذلك نسمع، أحياناً، في بلدان عربية، كيف يطغى موضوع هامشي تافه على أمر جلل كان يشغل الناس لتعلقه بمصائرهم أو مستقبلهم، فانصرفوا إلى التوافه ونسوا عظائم الأحداث. ولذلك دائماً أردد لو أن باحثاً متخصصاً رصد في بلاده تلك الأخبار الهامشية «المفتعلة» أو «الشعبية» التي تزامنت مع قضية رأي عام، لكشف لنا حقيقة ما يردده البعض من أن الحكومات تُمارس ذلك التشويش أو تشتيت الانتباه عن لب الموضوع.البروفيسور سيالديني سمعته يقول في مقابلة مع إريك شورنبيرغ رئيس شركة «أنك»، إن تحويل انتباه الناس نحو أحداث معينة يجعل المرء يعتقد أنها هي قلب الحدث أو السبب الذي يستحق الاهتمام. وأتفق معه، فالأمر مثل عدسة كاميرا التلفزيون توحي للمارة بأن من سُلطت عليه الأضواء الكاشفة للكاميرات هو من يستحق اهتمامنا. غير أنه قد يحدث أمر آخر على مقربة ممن تجري مقابلته، يهم السواد الأعظم من المشاهدين، إلا أن القناة أو مقدم البرنامج يتعمد تجاهله. وهي محاولة لصرف أنظارنا بطريقة غير مباشرة.في فنون التأثير أبحاث عدة كشفت عن مسألة تشتيت الانتباه، منها دراسة تبين فيها أن الفريق الذي ارتدى ملابس رياضية مُميزة جداً بألوانها distinctive قد دفع الحكام إلى أن يروهم السبب وراء أمور عدة، كالأخطاء والمخالفات وغيرها، حدثت في أثناء المباراة.أرى أن تشتيت انتباه الناس أو «خداعهم» لم تعد فكرة جيدة في عصر الانفتاح الإعلامي المذهل وكان الأولى إشغالهم بعجلة التنمية بكل قطاعاتها. فعدسة التلفزيون الرسمي قد تلاشى تأثيرها مقابل ملايين العدسات في جيوب الناس ترصد عبرها ما تشاء من تسيب، وتجاوز، وعدم احترام لعقلية الناس. ولذا قال الرئيس الأميركي آبراهام لنكولن: يمكن أن تخدع بعض الناس بعض الوقت لكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.
مشاركة :