صادق ناشر لم يبقَ من حركة اليسار في نيكاراجوا شيء له قيمة سياسية تذكر، والأمر نفسه ينطبق على دانيال أورتيجا، المناضل الجسور، الداعي للحرية عندما كان مناهضاً للحكم الديكتاتوري لبلاده، إذ لم يتبقَ لديه سوى السمعة، بعد أن دخل في دوامة الصراع على السلطة وترك طموحه اليساري، الذي كان يقوده ذات يوم، برفقة الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، وأشعل معه قارة أمريكا اللاتينية نشاطاً وحركة، فإذا به بعد أن وصل إلى مبتغاه وأصبح رئيساً لنيكاراجوا، بدأ بإعادة إنتاج ما كان يرفضه عندما كان في المعارضة، المتمثل بقمع الحريات التي كان يناضل من أجل الحصول عليها. المعارضة لسياسة أورتيجا في نيكاراجوا تتسع، فهو يواجه حركة معارضة تتنامى مع مرور الوقت، وبحسب منظمات حقوقية في البلاد، فإن أكثر من 300 شخص قتلوا خلال التظاهرات المنددة بحكومته، التي تشهدها البلاد منذ شهر أبريل/ نيسان الماضي، والتي تعد الأعنف في البلاد منذ عقود، في احتجاج ضد مشروع لتغيير نظام الضمان الاجتماعي اقترحته الحكومة في وقت سابق من العام الماضي، وعلى الرغم من سحب المشروع، فإن الغضب الشعبي لم يتوقف، بل تصاعد مع قمع الشرطة للمحتجين. الاحتجاجات وصلت إلى ماسايا، وهي المعقل الرئيسي لجبهة التحرير الساندينية اليسارية التي ينتمي إليها أورتيجا، والتي كانت بمثابة القاعدة التي اتكأ عليها لإسقاط نظام الحكم في نيكاراجوا، حيث قمع مؤيدون للحكومة الحالية مئات المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل وجرح المئات، وقد وصف معارضو أورتيجا ما يحدث من سلوك من قبل النظام القائم بأنه «طريقة جديدة من الاستبداد»، وقد بررت روزاريو موريو، نائبة الرئيس تعامل الشرطة هذا باعتباره دفاعاً مشروعاً ضد «مجموعات ضئيلة»، ولمن لا يعرف فإن موريو هي زوجة أورتيجا، لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن أبناء عدة لأورتيجا باتوا ضمن المسؤولين في الدولة التي يحكمها، أي أن العائلة صارت هي التي تحكم وليس الشعب «البروليتاري»، الذي كان يصفه اليساري دانيال أورتيجا ذات يوم عندما كان يتقدم صفوف المعارضة للإطاحة بالنظام السابق، ووصل بالفعل إلى السلطة عام 1984. ابن صانع الأحذية، المولود عام 1946 اختار أن يكون في صفوف اليسار عندما انضم في سن المراهقة لجبهة الساندانيستا، وقد انتخب رئيساً للبلاد عام 1984، لكنه خسر انتخابات 1990، وعاد إلى السلطة في 2006 و2011 و2016، لكنه في كل محطة رئاسية كانت مكاسب اليسار تتلاشى تدريجياً، بعد أن فضل السير في طريق كان يرفضه ذات يوم، فوافق على أن تتولى زوجته منصب نائب الرئيس، وعين ثلاثة من أبنائه مستشارين له، وبهذا فقد الوهج الثوري الذي كسب به قلوب الملايين من أبناء شعبه. صحيح أن نيكاراجوا لم تتحول إلى اليمين بالمعنى السياسي، مع أن صعود اليمين في أمريكا اللاتينية كان لافتاً خلال السنوات الأخيرة، إلا أن اليسار لم يعد ذا نكهة إيديولوجية كما كان عليه ذات يوم من ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. sadeqnasher8@gmail.com
مشاركة :