قضية الحوادث التي تقضي على حياة المعلمات وسفك دمائهن في الطرقات أضحت قضية وطنية اجتماعية عبر ارتفاع عدد ضحايا هذه الحوادث ومآسيها المفجعة لأهالي المعلمات، بعد مشوار معاناة ومكابدة في حياتهن الوظيفية وأرتال من الآلام التي عصفت بهن في هذه الرحلة التي ختمت باستشهادهن رحمهن الله ورحم كل ضحايا الحركة التعليمية من المعلمين أيضاً في عقود من الألم لحرب حوادث المرور التي تعصف بنا منذ زمن. وهو ما يؤكد من جديد قضية كبرى وهي احصائيات الحوادث وطرق الموت المتعددة بحسب تسميات لها في مناطق عدة من المملكة، تشير إلى حجم هذا الاستنزاف لدى الشعب والوطن، وهو أولوية اليوم في ظل تحول نظام ساهر إلى هدف استنزاف مادي وارهاق للمواطن أكثر من مساهمته في ضبط السرعة ومسببات الحوادث، وهو ما يستدعي إعادة رسم التصور والآلية ومستواها ومصداقيتها وليس الغاء جانب الغرامة حين يفعّل بصورة عادلة وبأهداف نبيلة . ولكن تخصيص موضوع حوادث المعلمات لا يقف فقط عند قائمة المآسي والوفيّات، ولكنه أيضاً مربوط بقصة كفاح المعلمة لأجل رزقها وعائلتها وقائمة الانتظار والمعاناة الاجتماعية والصعوبات التي تعيشها مع العائلة في ظل رحلة الوظيفة، وتأثيرها على الاستقرار الاجتماعي للأسرة السعودية وسجل حياتها المعيشي والتربوي، فهل هناك تجارب أو نماذج أو وسائط تخفف وتقلل بصورة كبيرة من هذا الاستنزاف، والتضحيات وتوجد حلولا لها، هذا ما نحاول طرحه في هذا المقال. إن المأساة تتجسد من خلال مسارين هما وجود وطبيعة السكن في المناطق النائية والثاني طريقة النقل ومستواه، وهناك حالات ومشاريع قائمة منها ما تنفذه أرامكو وغيرها من الشركات ممكن الاستفادة منها في هذا المضمار، مؤكدين على قضية مهمة وهي أن تكلفة هذه الوسائط يجب أن تضطلع بها الدولة كمسئولية طبيعية لسلامة أبنائها وبناتها. والأمر الثاني هو أنّ الراتب المُجهَد للمعلمات بمسؤوليات وحاجياتهن الضرورية يضطر لأخذ وسيلة أرخص لعدم قدرته على اختيار أو صناعة وسيلة نقل أو سكن مؤقت، أما هذه التجارب السابقة فهي تهتم بجانبين مهمين لهما علاقة بسلامة المعلمات واستقرارهن، وهو أحياء سكنية مغلقة في هذه القرية أو البلدة بحراسة أمنية وقسم خدمات ووحدات سكنية مناسبة للعائلة أو المعلمة المنفردة بما فيها سعة ممكنة لاستقدام الأطفال ومن يرعاهم. هذا السكن حين تنفذه الدولة عبر وزارة التعليم أو الإسكان أو بالتنسيق بينهما، سيوفّر مستوى جيّدا لبقاء العائلة في أوقات الدوام في مناطق تبعد ساعتين أو أكثر عن مكان السكن، مع تأمين مركز صغير للخدمات واحتياجات المعلمات لظروفهن الوظيفية، وحينها لن يكون التحفز على مغادرة البلدة بهذه الصورة المرهقة للمعلمة، حين تجد مكانا مؤتمنا يُدار من جهة موثوقة للوزارة المعنية. أما الجانب الثاني فهو مستوى ونوعية سيارة النقل التي لها دور كبير في تأمين حركة النقل، فأيضاً هناك وسائط نقل وباصات حديثة بالإمكان أن تُهيئ لهذا المشروع بباصات حديثة وسائق ومرافقة معه من ذويه، وهذا ممكن جداً ويتيح فرصا لتوظيف السعوديين والسعوديات، ويقوم بتوصيل المعلمات الى بلدات الوظيفة سواءً بعد نهاية الدوام الرسمي للمناطق التي تقل عن ساعتين من مقر السكن على سبيل المثال، أو في نهاية الأسبوع الدراسي والعودة بالمعلمات تحت هذه الرعاية الاجتماعية المؤمنة كما تفعل أرامكو بين العضيلية والظهران على سبيل المثال. إن مطالبة المعلمات وحتّى المعلمين في بعض القرى والبيئات الشعبية، بالبقاء دون تأهيل كومباوند -حي مغلق- مناسب للسكن لم يجد أي صدى طوال الأعوام الماضية، كما أن تنقلهم في ظروف صعبة وتعرضهم وتعرضهن للحوادث أمر مستمر في فواجع متكررة، ومسؤولية الوزارات المعنية والميزانية المركزية هي تهيئة السكن وآلية النقل قبل تكليف المعلمات. وهو مشروع تأخر كثيراً ولم يعد هناك مجال أن يُتأخر في انشائه فكل عام يمر دون المشروع نفقد فيه عدداً من بناتنا وأبنائنا، وهذا المقال يجيب بموضوعية عن السؤال الذي يطرح هل هناك حل؟ نعم، وهذا نموذج ينتظر التطبيق.
مشاركة :