القاهرة- جذبت منصة جيم (Jeem.me) التي انطلقت منذ أيام، اهتمام المتابعين الذين أكدوا الرغبة في إحداث حراك في خارطة المحتوى الرقمي العربي، والمنصة تتبع المركز الثقافي الألماني “غوته” بمقراته في القاهرة والإسكندرية وتونس وبيروت ورام الله والرباط. منصة “جيم” يعتبرها البعض بمثابة “رهان كبير على الجنون”، وعلى كل ما يبدأ بحرف الجيم من أجل الجرأة المنشودة، فالموقع معني بالجسدانية والجندر والجنس والجسد، والمقالات والقصص والمعلومات المتعلقة بهذه الموضوعات النوعية، وتقاطعاتها مع أوجه الحياة اليومية المختلفة. ويتوفر المحتوى من خلال قوالب مكتوبة وبصرية ومسموعة (تقارير، فيديوهات، مدونات صوتية، صور، رسومات..). ويلاحظ متابع منصات الجنسانية العربية عدة أمور؛ منها توجهها إلى الشباب والفتيات العرب في المقام الأول، وحرصها على تقديم موادها بأقصى طاقة استقصائية وتفصيلية، مستفيدة بعناصر الجذب والتشويق المتنوعة، فضلا عن اتسام المحتوى بالقدرة على التفاعلية والمشاركة مع المتصفح العربي عبر الوسائط الذكية. قارئ “جيم”، وغيرها من المنصات النشطة في هذا المضمار، ليس سلبيّا بالضرورة، فهو يبحث عن المعلومات التي يريدها ويناقشها ويمحّصها، ويحتفظ بما يظنه مفيدا بالنسبة له. ومن خلال منصات رقمية فرعية، يجري تبادل الآراء ووجهات النظر بين المستخدمين في إطار مجتمعي. تبدو منصات الجنسانية العربية متفوقة على غيرها من المنصات الذكية بقدرتها على فهم وتلبية جوانب ملحة وغريزية في حياة الإنسان، الأمر الذي يجعل نجاحها في استقطاب قطاعات واسعة من الشباب أمرا مفروغا منه. المنصات الجريئة تقف على الحد الدقيق الفاصل بين الممكن والمستحيل إلكترونياالمنصات الجريئة تقف على الحد الدقيق الفاصل بين الممكن والمستحيل إلكترونيا وبهذه المحصلة الواسعة من عدد المستخدمين يمكن للمنصات أن تغير خارطة المحتوى الرقمي تدريجيا، من قصص متوسطة الجرأة إلى جريئة، ثم أكثر جرأة في المستقبل القريب. من خلال الجنسانية، من الممكن مناقشة كل الأشياء والعلاقات المتبادلة بين البشر، لذلك تعرج منصات الجرأة العربية على ما يخص المجتمع والسلطة والثقافة والحب، مع تخصيص أبواب واسعة للنقاشات النسوية، المنطلقة من هدف مثير وجاذب أيضا، تتعطش إليه المرأة في المجتمعات العربية “أنا أنثى كاملة، أنا حرة”. وعلى ما يبدو أنه تغيير في خارطة المحتوى الرقمي العربي، وأن تلك المنصات الجنسانية في طريقها إلى توسعة دائرة الرؤية وحدود التصور، ليس فقط في ما يخص نظر الإنسان إلى غيره، لكن نظرته لذاته، فإذا نوقشت قضايا النسوية في السعودية مثلا، تُطرح في إطار الفضاء العام بين الحريات المكتسبة والمشروع السياسي الشامل. ولا مجال للمواربة، فمنصات الجنسانية إما أن يكون فيها كل شيء وإما فليكن الحجب حلّا بديلا. وتأخذ سياسات منصات الجنسانية العربية من مغامرة واقتحام، في الاعتبار أن المستخدمين أناس لا يمكن خطفهم، بقدر ما يجب اجتذابهم بتغذية شعورهم بالأمان. لذلك، هناك مراعاة لحظر السلوك الذي يتخطى الحدود، ويتحول إلى تهجّم أو تحرّش بالآخر أو إحراجه أو محاولة إسكاته. كما تُمنع أساليب الاضطهاد والتمييز والتشهير. وتسعى منصات الجنسانية العربية إلى حماية نفسها من الحجب السلطوي والانتقاد المجتمعي، فهي قد تشط في ما تبثه من مضمون صارخ، لكنها لا تنشر المحتوى البورنوغرافي الفج، ولا المرتبط بالاستغلال الجنسي، ولا تقتحم خصوصيات الآخرين، الأمر الذي لم يعرضها لمضايقات عنيفة حتى الآن. وتقف المنصات العربية الجريئة على الحد الدقيق الفاصل بين الممكن والمستحيل، غير عابئة بالمحرمات التي تتعامل معها بذكاء وجسارة، في سبيل رسمها خلطة سحرية جديدة للمحتوى الرقمي العربي، تلائم الحاضر وتواجه المستقبل. ويأتي عدم اكتراث اللغة العربية بهذه المضامين المربكة انعكاسا للثقافة العربية برمتها، التي تتسم بالمحافظة، وتقف موقف المتشكك من كل مغاير، فضلا عن وجود مناخ عام من التضييق السلطوي والرقابي والقانوني، بما يعوق مسار التدفق المعلوماتي على وجه العموم، لا سيما في قضايا الحريات والأمور الشائكة المتعلقة بهذه الموضوعات التي يصفها الكثير بـ”التابوهات”.
مشاركة :