كان بعض المحللين الحاذقين قد حثوا في الفترة الأخيرة على التزام الهدوء بخصوص القيم اللافتة بشدة داخل سوق الأسهم لحفنة من الشركات الأميركية العاملة بمجال التكنولوجيا التي يمكن وصفها بـ«سوبر ستار»، ومنها «آبل إنك» و«أمازون دوت كوم إنك».ودارت فحوى النصيحة التي طرحها هؤلاء المحللون حول أن الأسعار المرتفعة لأسهم هذه الشركات لا تحمل مؤشرات على تكرار موجة القيم المبالغ فيها التي ظهرت أواخر تسعينات القرن الماضي، وإنما تعكس في الجزء الأكبر منها العائدات المتنامية بسرعة لبعض الشركات والتدفق النقدي بها.ومع هذا تظل الحقيقة أنه ليس لمجرد أن أسهم الشركات التقنية الكبرى لا تندرج بصورة جماعية تحت «فقاعة»، فإن هذا لا يعني أن ثمة أموراً غريبة تجري على صعيد قيم أسهم الشركات الفردية. وأود من جانبي تسليط الضوء على ظاهرتين غريبتين تتعلقان بـ«فيسبوك إنك» و«تويتر إنك».بوجه عام، دفع المستثمرون دوماً مبالغ أكبر لامتلاك نصيب في أرباح «فيسبوك» المستقبلية عما يدفعونه مقابل حصة من أرباح «ألفابت إنك»، الشركة الأم لـ«غوغل». الآن، لم يعد لديهم هذا الاستعداد. أما بالنسبة إلى «تويتر»، فإن أسعار أسهمه عادةً ما كانت تميل إلى أن تكون عند مستوى أدنى عن أسهم غريمه الأكثر نجاحاً «فيسبوك». اليوم، لم يعد الحال كذلك.الملاحَظ أنه حتى وقت قريب، أبدى مشترو الأسهم استعدادهم لدفع أكثر بكثير مقابل كل دولار من عائدات «فيسبوك» عن «غوغل». وكانت هناك أسباب وجيهة وراء ذلك، منها أن «فيسبوك» يحقق نمواً أسرع بمقدار الضعف عن «ألفابت»، علاوة على أن هوامشه الربحية أكبر. وقد أبدى الناس استعدادهم لدفع أموال إضافية باعتبار أن «فيسبوك» أمامه فرصة أفضل لتعزيز عائداته وأرباحه.بدأت هذه الفجوة في القيم في الانكماش أواخر العام الماضي، ووقعت بها تقلبات لفترة وجيزة في أثناء أزمة «كامبريدج أناليتيكا» التي عصفت بـ«فيسبوك» في مارس (آذار) - لدرجة أنه للمرة الأولى على الإطلاق أصبح سعر سهم «ألفابت» أغلى من سهم «فيسبوك» مقارنةً بأرباح الشركات. كما أن العائدات تكشف عن انكماش الفجوة في القيمة. ويرجع أحد الأسباب وراء انحسار قيمة «فيسبوك» إلى مخاوف من أن يُقدِم المشرِّعون على تحجيم الشركة أو أن تتراجع أرباحها بسبب تكاليف مكافحة الانتهاكات التي تقع عبر شبكتها الاجتماعية.وبطبيعة الحال فإن تراجع قيمة السهم الخاص بشخص ما يخلق أمامه فرصة شراء لشخص آخر، ولا تخفى الفجوة الآخذة في الانكماش عن المستثمرين المخضرمين بمجال التكنولوجيا. والملاحظ أن عدداً أكثر قليلاً من المحللين المتابعين لـ«فيسبوك» يوصون بشراء أسهمه اليوم، مقارنةً ببداية العام، تبعاً للأرقام التي جمعتها «بلومبيرغ». وربما يكون التكافؤ بين قيمة سهم «فيسبوك» و«ألفابت» حدثاً وجيزاً ومؤقتاً، لكن إذا تراجعت قوة عائدات أو نمو الشركة، فإن قيمتها السوقية المتراجعة ربما يتضح صحتها في المستقبل. وربما تصبح هذه القيمة المنكمشة الواقع المألوف الجديد بالنسبة إلى أسهم «فيسبوك».وينقلني هذا الأمر بدوره إلى ظاهرة غريبة أخرى على صعيد أسهم شركات التكنولوجيا، ذلك أنه دائماً ما بدا سعر سهم «تويتر» مرتفعاً مقارنة بعائداته (التي لم يكن لها وجود حتى وقت قريب)، لكن التعافي الذي طرأ مؤخراً على الأسهم جعل من المتعذر طرح تفسير منطقي لقيمتها.في ظل قواعد محاسبية متفق عليها بوجه عام، فإن ما يسمى «قيمة المشروع» الخاصة بـ«تويتر» تبلغ 2.074 مرة صافي دخل الشركة على امتداد الشهور الـ12 المنتهية في 31 مارس (آذار)، تبعاً لحسابات معتمدة على بيانات «بلومبيرغ». وهذا أمر جنوني تماماً.يُذكر أن «تويتر» عادةً لا يجري تقييمها على أسس تقليدية. إلا أنه بناءً على عائداتها مع استقطاع الفوائد والضرائب وتراجع قيمة العملة وتسديد الدين -لكن مع حساب تكلفة المكافآت التي يحصل عليها الموظفون عن كل سهم- فإن قيمة المشروع المرتبطة بـ«تويتر» تبلغ 55 ضعف هذا الرقم. ويبقى هذا أمراً جنونياً.ومنذ طرح أسهم «تويتر» للاكتتاب العام منذ قرابة خمسة أعوام، كانت أسعار أسهمها مقارنةً بالعائدات أقل بوجه عام عن «فيسبوك». والملاحظ أنه حتى هذه اللحظة، يحظى «تويتر» بعدد مستخدمين أقل عن «فيسبوك»، بجانب أن جهات الإعلان لم تبد استساغاً تجاهه، وبالتالي لم تكن هناك أرباح وكانت العائدات أقل كثيراً. اليوم، حدث تبادل للأدوار. في الوقت الذي يجري التعامل في أسهم «تويتر» عند مستوى يزيد 55 ضعفاً عن مستوى أرباحه قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وتسديد الدين على مدار الشهور الـ12 الماضية، يدفع مستثمرو «فيسبوك» 21 ضعفاً فقط.وكثيراً ما تُغفل الأنظار هذه القيمة المبالغ فيها في خضمّ الأحاديث الدائرة حول تعافي «تويتر» الذي نجح في تحقيق تغييرات جوهرية على منتجاته التي يقدمها للمستخدمين والمعلنين، بجانب تقليصه لنفقاته.إلا أن القيمة المتصاعدة للسهم تعني أن القيمة السوقية لـ«تويتر» تعكس توقعات بأن تجني الشركة أرباحاً أكبر بكثير. وحتى إذا نجحت الشركة في ذلك، يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن لقيمتها، وبالتالي سعر سهمها، المضي في الارتفاع؟في العادة، تنجح الظواهر الغريبة قصيرة الأجل في سوق الأسهم في تسوية نفسها بنفسها. بالنسبة إلى «فيسبوك»، فإن العودة إلى القيمة الطبيعية ربما تكون أمراً مرحباً به، لكن الحال مع «تويتر» ربما تختلف.- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
مشاركة :