أدّت الإصلاحات الاقتصادية في مصر، بعد 21 شهراً على تنفيذها بهدف الحصول على قرض قيمته 12 بليون دولار، إلى انزلاق الطبقة الوسطى إلى تحت خط الفقر، بعد ارتفاع الأسعار وبمعدل التضخم إلى 33 في المئة عقب تحرير سعر صرف العملة المحلية وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، ورفع أسعار المحروقات وأسعار خدمات النقل الحكومي والخاص وزيادة أسعار «مترو الأنفاق» من جنيهين إلى 7 جنيهات، كما شهدت مصر موجة غلاء تعدّ الأعنف منذ 3 عقود. وتوصف الطبقة الوسطى بالقوى الناعمة في الدولة التي كان يتراوح دخلها بين 5 و7 آلاف جنيه قبل قرار التعويم، وبالتالي فقدت تلك الشريحة أكثر من 50 في المئة من إجمالي دخلها ورقياً، متأثرة بعوامل التضخّم التي تجاوزت 33 في المئة العام الماضي، وبالتالي دخلت نفقاً مظلماً. ودفع ارتفاع أسعار السلع والخدمات بنسب تزيد على 150 في المئة إلى تراجع قدرة الأسر المصرية على توفير المستوى ذاته من التعليم والرعاية الصحية وخدمات الرفاهية لأولادها. ويعتزم صندوق النقد الدولي البدء في المراجعة الدورية الرابعة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه لمدة 3 سنوات، فهل ستتطرق المراجعة إلى أوضاع الطبقتين المتوسطة والفقيرة؟ وتقول الموظفة نادية محروس (49 عاماً)، التي يبلغ راتبها نحو 4 آلاف جنيه، إنها تأثرت في شكل أكبر بالإصلاحات الاقتصادية، مؤكدة أن نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى غير محمية اجتماعياً، فلا تحصل على دعم نقدي أو دعم سلع أو تموين، وفي الوقت ذاته تتكبد معاناة تعليم أبنائها في المدارس الخاصة التي رفعت أسعارها منذ بدء تحرير سعر الصرف وحتى الآن أكثر من 50 في المئة، كما رفعت الجامعات الخاصة أسعارها أكثر من 3 أضعاف. وأكدت محروس أن نفقات السنة الدراسية في أقسام اللغة الإنكليزية في كلية التجارة كانت تقدر قبل عامين بنحو 6 آلاف جنيه، بينما تتجاوز الآن 15 ألف جنيه، والأمر ذاته ينطبق على بعض التخصصات في كليات الهندسة، إذ تتجاوز نفقات العام الدراسي 40 ألف جنيه. وطالبت محروس الحكومة بتحسين بعض الخدمات لترفع العبء على هذه الطبقات، مع استمرار خطة الإصلاح. وقالت ناهد الجبالي (50 عاماً): «لم نعد نحتمل جنون الأسعار، التي يجب السيطرة عليها من قبل الدولة لحماية الطبقة الوسطى». وكانت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد قالت: «حينما تلغي الدعم عن الوقود كل الذين يقودون سيارات سيتأثرون»، من دون أن تقدم للطبقة الوسطى حلولاً تمنع انزلاقها إلى الطبقة الفقيرة. وتوقع تقرير أن تكون الطبقة الوسطى معرضة لمزيد من التأثر نتيجة الإجراءات التقشفية التي تبنتها الحكومة في برنامجها للإصلاح الاقتصادي. وعلى رغم أن دخل وائل جميل (45 عاماً) يبلغ نحو 900 دولار شهرياً، إلا أن هذا المبلغ لم يعد يساوي شيئاً أمام حاجاته وأسرته المؤلفة من 3 أفراد. وأكد أنه تنازل خفض معظم حاجات أسرته وتنازل عن الرفاهيات، إلا أنه اضطر أخيراً إلى التخلي عن بعض السلع الأساس في حياته، مؤكداً أنه لم يعد يحتمل ارتفاعاً إضافياً في الأسعار. وكانت الحكومة المصرية بدأت برنامجاً للدعم النقدي المشروط وغير المشروط تحت اسم «تكافل وكرامة» يهدف إلى دعم كبار السن وذوي الإحتياجات الخاصة، ويقدم دعماً للأسر الفقيرة التي لديها أطفال في المدرسة، شرط انتظامهم في العملية التعليمية. ورفعت الحكومة حصة الفرد من الدعم على بطاقات التموين إلى 50 جنيهاً شهرياً من 21 جنيهاً وذلك بدءاً من تموز (يوليو) 2017 ضمن حزمة اجتماعية شملت أيضاً إقرار علاوة غلاء لكل موظفي الجهاز الإداري للدولة، وزيادة المعاشات 15 في المئة بحد أدنى 150 جنيهاً، وزيادة معاشات تكافل وكرامة 100 جنيه، إضافة إلى تطبيق خصم على ضريبة الدخل. وتوقع صندوق النقد تراجع فاتورة دعم الوقود في مصر خلال العام المالي 2018-2019 إلى 1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، على رغم ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. وأشار إلى أن الفاتورة المتوقعة لدعم الوقود تقلصت إلى 2.7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2017-2018، مقارنة بـ3.3 في المئة عام 2016-2017. يذكر أن الحكومة المصرية قررت في حزيران الماضي رفع أسعار الوقود 44 في المئة في المتوسط، ما رفع نسبة الأسعار ما قبل الضريبة إلى الكلفة في منتجات مثل البنزين والديزل وزيت الوقود بنحو 73 في المئة. وأشار الصندوق إلى التخطيط لزيادة إضافية لأسعار الوقود، لتحقيق هدف استرداد تكاليف الإنتاج بالكامل بحلول نهاية 2018-2019. ولفت إلى أن آلية تعديل الأسعار بالنسبة للمنتجات البترولية، ستتم وفقاً للتغيرات في أسعار النفط في الأسواق العالمية، وسعر الصرف للعملة المحلية، وحصة الوقود المستورد للاستهلاك المحلي. وتوقع تراجع فاتورة دعم الكهرباء إلى 0.3 في المئة من الناتج المحلي عام 2018-2019، مقارنة بنحو 0.7 في المئة في 2017-2018. وكان صندوق النقد خفض توقعاته لمعدل التضخم نهاية العام المالي الحالي إلى 13.1 في المئة بدلاً من 15.2 في المئة في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، وقدر متوسط معدل التضخم للعام المالي الحالي بـ14.4 في المئة في مقابل 13 في المئة كان يتوقعها سابقاً. وحين تبنّت مصر برنامج الإصلاح، كانت تضرب موعداً مع موجة من الغلاء وانفلات مؤشر التضخم، باعتبار أنها الضريبة التي يجب دفعها، لكن المقياس الأول والأخير لأي خطة إصلاح اقتصادي هو الطبقة الوسطى في المجتمع، فإذا حافظت خطة الإصلاح عليها تكون تسير على الطريق الصحيح، وإذا بدأ تآكل هذه الطبقة، تكون مصر أمام مشكلة خطيرة.
مشاركة :