كان متوقعًا أن تصل الأمور الى هذه اللحظة من الاشتباك.. فمن تابع تطورات المشهد في إسرائيل كان يعرف أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل يتم حشره في الزاوية، فإذا كانت إسرائيل قد قامت بتهويل الحرائق التي سببتها الطائرات الورقية التي يطلقها الفلسطينيون على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وجميعنا يعرف أن اسرائيل بالغت في محاولة منها لإحداث توازن في الصورة وهي تواجه شعبًا أعزل بكل تلك الأسلحة، لكن يبدو أن الأمر ارتد على الحكومة نفسها لتصبح المطالبة بوقف الحرائق أمرُا يتعلق بقدرة رئيس الحكومة ومعيارًا له في الحكم. حتى الأسبوع الأخير بدأ النقاش يشتد في اسرائيل، وحتى شركاء الحكومة الاسرائيلية بدأوا يحشرون نتنياهو في الزاوية، أبرزهم نفتالي بينيت الذي طالب باطلاق النار على الذين يطلقون الطائرات الورقية والتعامل معها مثل الصواريخ، فيما كان أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع يقف الى جانب نتنياهو.. وفي النقاش الساخن الذي دار في الكابينيت كان رئيس الأركان يحاول الدفاع عن نتنياهو متصديًا لتهور رئيس حرب البيت اليهودي الذي يتعجل الحرب، وإن كان النقاش على المستوى الرسمي انقسم بين فريقين، أحدهما يدفع باتجاه التصعيد مسلحًا بحرائق على الحدود، وفريق آخر لا يريدها حاليًا، لكن الرأي العام والصحافة في اسرائيل جميعها كأنه كانت تزيد من مأزق نتنياهو. اسرائيل وحماس لا تريدان الحرب، وتحافظان على مستوى منخفض ومدروس من النار.. هكذا قال السفير القطري محمد العمادي، وأعلن أنه يقوم باتصالات ومفاوضات بين طرفي النار، لكن اسرائيل منذ أمس صعدت بشكل حربي من تهديداتها تلويحًا وتصريحًا بحرب في الأفق، وأن الحكومة أعطت الضوء الأخضر للجيش بالإعداد لحرب، وأن الجيش لديه كافة السيناريوهات، وأنها أعطت مهلة أخيرة حتى الجمعة القادمة بعد غد وإلا فإنها الحرب. هل اسرائيل مستعدة لحرب وتريدها؟.. من ناحية الاستعداد فالجيش يتدرب على امتداد العام.. أما هل تريدها أم لا. فالواضح أن ما يقوله السفير القطري هو صحيح، سواء لجهة تردد الدولة للقيام بحرب قبل الانتهاء من بناء الجدار، أو لجهة تطورات في الجبهة الشمالية، أو لجهة جدوى الحرب دون نطوج مشروع بديل، خاصة أن الحرب القادمة ربما تكون الأولى ذات الطابع السياسي الذي ربما يتعلق بمشروع الرئيس الأميركي ترامب، والانتهاء من مشروع غزة، وهذا لم ينضج بعد. لكن إسرائيل كما هو واضح، وبالتحديد الحكومة و خصوصا رئيس وزرائها، أصبحوا في موقف ضعيف ولم يعد بالإمكان الثبات أكتر أمام حملات الإعلام و ضغط المعارضة والشركاء وبالتالي كان عليها أن تتصرف وفقا لكل تلك الاعتبارات، وهذا ربما السبب الرئيسي في مفاجأة التهديدات المتلاحقة، بالإضافة لرغبة إسرائيل بتحقيق قدر من الردع الذي تعتبره أخذ بالتآكل مع تزايد إطلاق الصواريخ من غزة، بالرغم من الضربات التي شنتها إسرائيل على مواقع تعتبرها هامة لحركة حماس. هنا يمكن أخذ الأمور في سياق تصعيد التهديد، مع الجاهزية لتدحرج الأمور.. لكن أغلب الظن أن تهديد إسرائيل باستعمال القوة هو الحد المرسوم في هذه المرحلة، أي التهديد بالقوة بديلا عن استعمال القوة، وهذا من أساسيات فعل الجيوش في العالم، ولكن الخطر عندما لا يستجيب الآخر للتهديد، هذا يعني الذهاب نحو الخيار التالي حين لا يكفي التهديد بالقوة لايصال الرسالة وإسرائيل تقول إنها أرسلت رسائل مباشرة لحركة حماس من خلال أطراف عدة، وتعتبر أن حركة حماس لم تستجب للرسائل، ومع إستمرار الطائرات الورقية واستمرار الحملة في إسرائيل واضح أنها انتقلت للتهديد، خصوصا وأن الجيش الذي كان يعارض شن حملة حرب بسبب طائرات ورقية أصبح يستعد لسيناريوهات الحرب، في تحول كبير لموقفه، ما يعني أن التهديد بالقوة هو الخيار القائم حتى اللحظة. هل ستنشب حرب بسبب الطائرات الورقية وإن كانت إسرائيل و حماس لا تريدانها؟.. وهل يكون الجواب الطبيعي أن الحرب ليست على الأبواب سواء لجهة الوسطاء أو لجهة عدم رغبة الأطراف المتصادمة؟.. و هنا ربما الحديث عن تحديد موعد لإنهاء الطائرات الورقية بعد غد، لكن حركة حماس التي بدأت تستشعر جدية الأمر ستحاول قدر الإمكان وأكثر من ذلك وقف هذه الطائرات وهناك تجربة منتصف آيار الماضي في الرابع عشر من الشهر، عندما هددت إسرائيل بالحرب فقامت الحركة بانهاء المسيرات الحدودية بشكل مفاجئ. هناك آراء من قبل مقربين من حركة حماس بدأوا يتحدثون عن وقف الطائرات لجدية الأمر، وهو مؤشر على رغبة الحركة بعدم دفع الأمور نحو الحرب، لكن إسرائيل التي تعرف طبيعة الواقع تدفع بالأمور نحو حافة الهاوية، مستندة لقوة عسكرية كبيرة و إدارة أميركية موالية، لكن هذا الأمر بعد تجربة آيار، وهذه التجربة إن تمت فإنه سيفرض معادلة جديدة على حساب حركة حماس وحجم استجابتها للتهديد في كل مرة والتصرف وفقا لمقتضياته ومحاذيره، وهذه معادلة جديدة ينبغي التمعن بها حتى وإن كانت جزءًا من واقعية السياسة، لكن ضرورة النظر لطبيعة صراع الإرادات.
مشاركة :