الرحلة هي متعة التاريخ وتاريخ المتعة، والرحلة هي لذة المشقة، وعين الجغرافيا، ومنظار الفلك، وجسر الخبرات بين الأمم، وهمزة الوصل بين الشعوب، والرحلة هي سفير السلطان، ووثيقة المؤرخ ومكتبة العالم وحنكة السياسي ورافد الأديب الذي لا ينضب.وكتابنا اليوم نموذج من كتب الرحلات، وهو من إصدارات مركز تاريخ مصر التابع لدار الكتب والوثائق القومية "سلسلة أوائل المطبوعات" ومؤلف هذا الكتاب عبد المسيح بك الأنطاكي، وتقديم الدكتور أحمد الشوكي، وتم اختيار إعادة هذا الإصدار، في إطار اهتمام وزارة الثقافة بمدينة الأقصر بعد اختيارها عاصمة للثقافة العربية لعام 2017م.وقد صدر هذا الكتاب لأول مرة عام 1329هـ/ 1911م، وعنوانه "سياحة أثرية بين الأقصر وأصوان"، وأسوان بالصاد وليست بالسين حسب عنوان الكتاب قديما ولا يوجد ثمة أخطاء مطبعية بالعنوان. هذا الكتاب يصف لنا رحلة ممتعة ومهمة في نفس الوقت وثقها عبد المسيح بك، احتفاءً بزيارة الشيخ جاسم بن محمد بن علي بن محمد آل إبراهيم العنقري إلى مصر، وهو أمير كويتي ولد بالكويت في عام 1282هـ/ 1866م وانتقل إلى بومباي بالهند واستقر بها فترة طويلة، واشتغل هناك بتجارة اللؤلؤ، وكون ثروة طائلة بفضل عقليته التجارية التي شهد لها الجميع بالنبوغ في تلك الفترة، وقد فضل الشيخ جاسم أن يرى آثار مصر التي أقبل الأجانب على زيارتها والتعرف عليها أكثر من التنزه في النوادي والحدائق والذي كان دأب الكثير من العرب الذين كانوا يقبلون على زيارة مصر إبان تلك الفترة.ويذكر الدكتور أحمد الشوكي في تقديمه لهذا الكتاب أنه على الرغم من أن هذا الكتاب صغير لكنه يسجل لنا بعض ملامح شخصية الشيخ جاسم بن محمد آل إبراهيم باعتباره واحدًا من المحسنين الكبار في عصره، وقد شهد بذلك القاصي والداني سواء كان ذلك داخل الكويت أو خارجها، وهذه الرحلة أيضا تأخذنا في جولة شيقة ترسم لنا طبائع المصريين والأجانب الذين عاشوا بمصر في أوائل القرن العشرين، وتوضح لنا كذلك كيف كانوا يتعاملون مع الآثار؟ بل ويعظمونها، وفي كثير من الأحيان يحاولون الترويج لها، وإن كانت بعض وسائلهم في ذلك لم تلاق الكثير من الترحيب من قبل المؤلف والضيف معًا.وفي النهاية فهذه الرحلة رحلة متميزة تمنح الباحث في التاريخ والجغرافيا والسياسة وغيرها مصدرا ثريا وواقعيا نابضا بالحياة.
مشاركة :