روبرت سامويلسون* لا شك أن فرض المزيد من الرسوم الجمركية والقيود التجارية سيجعل من الصعب على المقترضين سداد ديونهم. وفي أحسن الأحوال تدفع الحرب التجارية الاقتصاد العالمي نحو البطء والانكماش.الوجه المخفي للاقتصاد العالمي- حتى الآن على الأقل- هو التفاعل المرعب المحتمل بين الحرب التجارية المتفاقمة وفجوة الديون العالمية التي تقدر بنحو 247 تريليون دولار. أقول «تريليون».... أليس هذا رقماً يصعب استيعابه؟ وتستمر كل من الأسر والشركات والحكومات في الحصول على مزيد من القروض بدعوى أنهم يخدمون ديونهم إما عن طريق تسديد جزء منها مع الفوائد أو إعادة جدولتها في قروض جديدة. لكن هذه الآلية لا تجدي إلا إذا نمت المداخيل بالسرعة الكافية التي تجعل الديون في حدود طاقة التحمل أو تبرر طلب قروض جديدة. وفي حال عدم توفر هذه المقومات تحدث الفوضى وحالات الإعسار التي يليها الذعر والكارثة. وعند هذه النقطة قد تتقاطع الحرب التجارية مع الديون بشكل كارثي. فمنذ عام 2003 لم يتوقف تراكم الديون العالمية حتى أنها ارتفعت من 248 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 318 في المئة. وخلال الربع الأول من عام 2018 وحده، ارتفع الدين العالمي بمقدار 8 تريليونات دولار. وتشمل الأرقام جميع البلدان الرئيسية حيث تتوزع أصناف الديون على المستهلكين والشركات والحكومات.وفي الوقت الذي تتطلب خدمة هذه الديون زيادة الدخل، تهدد الحرب التجارية المتصاعدة بالضغط على مصادر الدخل. ولا شك أن فرض المزيد من الرسوم الجمركية والقيود التجارية سيجعل من الصعب على المقترضين سداد ديونهم. وفي أحسن الأحوال تدفع الحرب التجارية الاقتصاد العالمي نحو البطء والانكماش. أما في السيناريو الأسوأ فالمآل إلى أزمة مالية عالمية جديدة.ونلفت النظر إلى أن الخطر لا يخص دولة بعينها بل يحدق بجميع دول العالم. ويقول تقرير لمعهد التمويل الدولي إن ديون بعض الأسواق الناشئة مثل تركيا وجنوب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين، تبدو عرضة لمخاطر انتشار عدوى العجز عن إعادة جدولة القروض المنتهية الأجل. وطبقا لبيانات المعهد فإن الديون المستحقة التسديد على الدول الناشئة هذا العام والعام الذي يليه تبلغ تريليون دولار.والدين إما أن يحفز النمو الاقتصادي أو يعرقله تبعا للظروف. ويوشك العالم اليوم أن يدخل في مرحلة تحول شامل أبرز ملامحها العجز عن تسديد الديون وبالتالي تراجع حجم الطلب عليها عالميا، كما تفرض على المقترضين تخصيص جزء أكبر من مواردهم لخدمة الديون.ومع تخلي البنوك المركزية عن سياساتها غير التقليدية التي كان الهدف منها تحفيز الاقتصادات الرئيسية في العالم بعد الأزمة، بدأت معدلات التضخم في الصعود. ولكي يكبح الاحتياطي الفيدرالي صعوده سوف يضطر لرفع أسعار الفائدة.ولا شك أن سياسة الحمائية التجارية سوف تفاقم المشكلة لأن العديد من الشركات غير الأمريكية اقترضت بالدولار ومطلوب منها تسديد قروضها بنفس العملة. وفي حال تسببت الردود الانتقامية حيال تعرفة ترامب في عرقلة التبادل التجاري سيصبح من العسير على تلك الشركات الحصول على الدولارات، ما يعني تفاقم حالات الإعسار والفوضى.ولا يتوقع تقرير المعهد انتشار الذعر على نطاق واسع كما حصل إبان الأزمة المالية 2008-2009، حيث هناك ما يبعث على التفاؤل. فوضع البنوك اليوم أفضل من حيث الرسملة مما كان عليه قبل تلك الأزمة، كما أن الناس باتوا أكثر حذراً حيال مخاطر الأزمات. وتمثل «اختبارات الشدة» التي خضع لها 35 بنكًا أمريكياً كبيرًا أحد أوجه ذلك الحذر. وقد اجتازت كافة البنوك الاختبار بنجاح وكشفت بيانات الاحتياطي الفيدرالي عن أن البنوك أضافت 800 مليار دولار إلى رأسمالها منذ عام 2009.وأوصى تقرير المعهد بتحقيق التحول عالمياً بعيدًا عن النمو الاقتصادي الممول بالديون. ولا بد أن تفرض تبعات الديون المتراكمة البالغة 247 تريليون دولار على العديد من البلدان، بما في ذلك الصين والهند والأسواق الناشئة الأخرى، معالجة عواقب ديونها الضخمة سواء كانت ديون شركات أو أسر أو حكومات، وهذا سيحمل الاقتصاد العالمي عبئا ثقيلا يحد من نموه.وربما نعيش اليوم مرحلة ما قبل الأزمة بقليل. فمعدلات الفائدة المنخفضة التي اعتمدتها البنوك المركزية بررها تجنب الكساد العالمي. لكن منتقديها يرون في الائتمان الرخيص تشجيعاً على مخاطر الإقراض التي تفاقمها قرارات رفع أسعار الفائدة. فأي الفريقين أحق أن يتبع؟ *«واشنطن بوست»
مشاركة :