القاهرة - صدرت الطبعة الأولى من كتاب عبدالله حسين “الصحافة والصحف” عام 1948، حيث قدّم فيه الكاتب رحلة بانورامية حول تاريخ الصحافة في العالم لا غنى لأي باحث في مجال الإعلام والصحافة عن قراءته، وبعد نحو سبعين عاما من صدور الكتاب في طبعته الأولى، والغريب أنه قد صدر بعد وفاته بأشهر قليلة، أعادت “وكالة الصحافة العربية ناشرون” إصدار الكتاب مرة أخرى، لكنه جاء هذه المرة مرفوقا بتقديم للباحث خالد محمد غازي، الذي حلل أهم عناصر الكتاب وقام بمراجعته بدقة. يقول غازي في تقديمه للكتاب متحدثا عن مؤلفه “عبدالله حسين، مؤلف هذا الكتاب، قد عمل بالصحافة والمحاماة والسياسة وبرز في كل منها؛ ولكن روحه الصحافية طغت على الناحيتين الأخريين، حتى أصبح في طليعة رجال الصحافة، فكانت كتاباته فيها موسومة بطابع الاتزان وحسن الفهم ودقة التفكير ونزاهة القصد وجمال الأسلوب وخفة التعبير. وقد شاءت الأقدار أن يكون هذا الكتاب آخر عمل لحسين في حياته، وفيه يؤرخ للصحافة ويحدثنا عنها علماً وفناً. وعن الصحف أداة إخبار وتعليم وتهذيب، وفيه خلاصة لخبرة وتجربة المؤلف الصحافية والفكرية”. ويضيف غازي في دراسته للكتاب “الصحافة بمعنى نقل الأخبار قديمة قدم الدنيا وليست النقوش الحجريـة في مصر وبابل والصين وعند العرب القُدماء وغيرهم من الأمم العريقة إلاّ ضرباً من ضروب الصحافة في العصور القديمة، ولعل أوراق البردي المصرية التي تعود إلى أربعة آلاف عام كانت نوعاً من النشر أو الإعلام أو الصحافة القديمة. وكانت الأخبار في هذه العصور الأولى خليطا من الخيال والواقع تماشيا مع رغبات السامعين، بُغية التسلية، وأيضاً للإشادة بالبطولة والقوة، وكان هذا اللون من القصص كثير التداول بين الناس ويُعمر طويلا، وينتقل من جيل إلى جيل على صورة القصص الشعبية الفولكلورية”. ولو صح ما قاله المؤرخ يوسف فلافيوس فقد كان للبابليين العديد من المؤرخين المُكلفين بتسجيل الحوادث التي اعتمد عليها نيروز في القرن الثالث قبل الميلاد في كتابه “تاريخ الكلدانيين”، لتبين أن الصحافة كظاهرة اجتماعية قديمة جداً عُرفت منذ العصور السحيقة. ويقال إن الصحافة بدأت في صورة الأوامر، التي كانت الحكومات توفد بها رسلها مكتوبة على ورق البردي إلى كل إقليم. وكانت لهؤلاء الرُسل محطات مُعينة يتجهون إليها، بما يحملون من الرسائل، ولهم جياد في كل محطة، وما أن تصل الرسالة إلى حاكم الإقليم حتى يُذيع ما فيها على سُكان إقليمه، وقد يلجأ في بعض الأحيان إلى إطلاق المنادين ينادون بما فيها. استخدمت الحكومات كذلك النقش على الحجر، وكان لا بد لها حينئذ من أحجار عدة، تُنقش على كل واحد منها نُسخة مما تُريد تبليغه لمن تُريد، ثُم تبعث بها إلى حيث تُوضع في المعابد التي يكثر تردد الناس عليها. الكتاب يدون تاريخا حافلا للصُحف والمجلات مُنذ بدايات نشأتها في عهد الفراعنة والإغريق والرومان وصولا إلى مرحلة الطباعة وتُعد الرسائل الإخبارية المنسوخة المظهر البدائي أو الأولي للصحافة مُنذ الحضارات الشرقية القديمة، وهناك أوراق مصرية من البردي الفرعوني يرجع تاريخها إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وتتضح فيها الحاسة الصحافية لإثارة الميول عند القُراء وجذب انتباههم. كما عرفت مُعظم الحضارات القديمة كالصينية والإغريقية والرومانية الخبر المخطوط، فقد أصدر يوليوس قيصر عقب توليه السلطة، عام 59 قبل الميلاد صحيفة مخطوطة اسمها أكتاديورنا أي “الأحداث اليومية”. تكتب فيها أخبار مداولات مجلس الشيوخ، والحملات الحربية، وبعض الأخبار الاجتماعية، مثل الزواج والمواليد والفضائح، وأخبار الجرائم والتكهنات. وكان للصحيفة مُراسلون، في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية، وكانوا غالباً من موظفي الدولـة. أما عن بداية ظهور الصحافة في أوروبا فلقد ظهرت في العصور الوسطى، وكان البابا يُسجل أحداث العام على سبورة بيضاء ويعرضها في داره حيث يحضر المواطنون للإحاطة بما فيها. واستمر استخدام الرسائل الإخبارية المنسوخة طوال العصور الوسطى لخدمة التجارة، بين المدن الأوروبية المختلفة، وأصبحت مدينة “فيينا” مركزاً لهذه الخطابات، وأصبح هُناك كُتاب مهنتهم كتابة الأخبار، في جميع المدن الكبرى. أما عن بداية ظهور الجريدة بشكلها الحالي فيقول المُفكر الفرنسي الفيكونت دافنل “الجريدة في نشأتها الأولى عند بدء اختراع الطباعة، كانت تُطبع في ورقة واحدة كل أربع وعشرين ساعة حاوية كل الأخبار المهمة، وكان نشر الأخبار الفكرة الأولى لإنشاء الصحف”. ونظرا إلى أهمية ومكانة الجريدة وقوة الصحف والصحافة قام كاتب هذا الكتاب الذي يُثري المكتبة العربية بتدوين تاريخ حافل للصُحف والمجلات مُنذ بدايات نشأتها مُنذ عهد الفراعنة والإغريق والرومان، وحتى أواسط القرن العشرين مُستعرضاً أدق الدقائق لبدايات نشأة عدد كبير من الصحف والمجلات التي يُشار إليها بالبنان الآن. وقد تناول الكتاب في فصوله عبر 22 فصلا تاريخ الصحافة والصحف في العالم وكذلك الوطن العربي، فتحدث عن نشأة الصحافة وأقدم جريدة في العالم ورسالة الصحافة ومن هو الصحافي والعلاقة بين الصحافة والأدب والجوائز الأدبية والصحافية وإدارات الصحف وعمل وكالات الأنباء والرقابة على الصحف، كذلك تناول الصحافة والنساء وغيرهما من القضايا. أحمد مروان
مشاركة :