د. علي حسين باكير | بعد حوالي 3 أسابيع من الآن، سيتم تطبيق الدفعة الأولى من العقوبات الأميركية على إيران، بعد أن كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد انسحبت من الاتفاق. ومن المتوقع أن تعمّق حزمة العقوبات هذه من أزمة الوضع الاقتصادي المترنّح في إيران، ولذلك تسعى الحكومة الايرانية بشكل حثيث الى تأمين أكبر قدر من الدعم من الدول الأخرى. يتطلّع النظام الإيراني الى كل من روسيا والصين والاتحاد الاوروبي بشكل أساسي. تعارض هذه الدول انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، ولذلك سيكون من المفيد، من وجهة نظر إيرانية، استغلال الخلاف الناشئ في هذا الصدد بينها وبين واشنطن، من اجل تأمين دعم سياسي واقتصادي وتجاري، يقيها تبعات العقوبات الأميركية، لكن هناك شكوك عميقة حول مدى قدرة طهران على تحقيق مثل هذا الهدف، لا سيما في ظل تأكيد إدارة ترامب انها ماضية في معاقبة الآخرين، اذا خرقوا العقوبات على إيران. صادرات النفط الإيراني ستصبح لاحقاً الموضوع الأساسي في نظام العقوبات، التي تستهدف حرمان النظام الإيراني من الموارد المالية، والتي يأتي القسم الأكبر منها من صادرات النفط. تعتبر إيران ثالث أكبر منتج للنفط في (أوبك)، ووفقاً لأرقام شهر مايو الماضي، فقد صدّرت إيران حوالي 2.7 مليون برميل من النفط الخام يومياً. تأتي الدول الأوروبية ــ ككتلة ــ على رأس قائمة مستوردي الطاقة منها. يتطلع الجانب الايراني الى أن تقدم الدول الأوروبية المزيد من الالتزامات السياسية، والى تطبيق التعهدات التي قطعتها هذه الدول لإيران، فيما يتعلق بالحفاظ على العلاقات التجارية والتعاملات المالية. في المقابل، يشكك كثيرون في قدرة هذه الدول على الذهاب بعيدا في دعم الموقف الايراني، لا سيما مع التهديدات الاميركية الجدية بفرض عقوبات على الأطراف، التي لا تلتزم بالعقوبات الاميركية على إيران. وفي هذا السياق، من الصعب تصور ان تضحي هذه الدول بمصالحها الاقتصادية الضخمة مع واشنطن من أجل الوقوف الى جانب إيران، وحتى ان ارادت هي ذلك، فانّ الشركات الضخمة في الاتحاد الاوروبي تفضّل الانسحاب من داخل إيران لتأمين نفسها. الدوران الروسي والصيني وفي هذا السياق، كان علي ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، قد زار روسيا الأسبوع الماضي، حاملا معه رسالة من المرشد علي خامنئي، تؤكد أهمية الشراكة الاستراتيجية بين طهران وموسكو. ولفت ولايتي، إثر لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الى أن روسيا ترفض العقوبات الأميركية على إيران، مؤكداً في الوقت نفسه أنها مستعدة لتستثمر ما يزيد على 50 مليار دولار في قطاع النفط الايراني. ويعوّل الجانب الايراني على ان يعوض مثل هذا المبلغ الكبير خروج بعض الشركات الأجنبية من إيران، بسبب الخوف من العقوبات الأميركية، لكن ليس هناك ما يشير الى ان الجانب الروسي قد اعطى ضمانات فعلية لإيران بهذا الشأن، أو أنه ملتزم بإنفاق هذا المبلغ. الأهم من ذلك أن الجانب الإيراني لم يفصح عن المكاسب التي ستجنيها روسيا من صفقة كهذه، وهل هناك التزامات إيرانية سياسية في أماكن أخرى أم لا؟ وبموازاة الجهود المبذولة للحصول على دعم موسكو، تسعى طهران مؤخراً إلى أن تنتزع تعهداً من الصين بزيادة مشترياتها من النفط. وتعد الصين واحدة من أكبر مستوردي الطاقة من إيران، اذ تستورد بكين حوالي %27 من مجمل صادرات البلاد من النفط، ولذلك فإن موقفها مهم جداً في الحسابات الإيرانية. ليس ثمة شك في أن هناك مصلحة للصين في استيراد المزيد من النفط الايراني، خاصة إذا ما كانت طهران ستقدم على تخفيض الأسعار لتضمن بقاء زبائنها، لكن في المقابل، فإن قدرة الصين على تعويض إيران عن الكمية، التي ستتراجع بعض الدول عن شرائها نتيجة الخوف من العقوبات الاميركية ستبقى محدودة في نهاية المطاف. العصا والجزرة في مقابل هذه التحركات الايرانية، ينشط الجانب الأميركي في استخدام سياسة العصا والجزرة مع الحلفاء، الذين يعتقد أنّهم سيقاومون العقوبات على إيران، ولذلك فهو يرفض السماح بإعطاء استثناءات، لكنّه يعد بها في حال التزمت هذه الدول بتخفيض معتبر لوارداتها من الطاقة من إيران. معظم الشركات الأجنبية الكبرى، التي كانت تعمل في مجال النفط والتأمين والطيران في إيران، أعلنت انسحابها. لا شك ان الجهود الإيرانية قد تؤمن لها منافذ مستقبلية لتخفيف وطأة العقوبات الأميركية، لكنّها غير قادرة على أن تقيها تماماً من الآثار السلبية المنتظرة. في ظل هذا التجاذب من المتوقع ان تعاني بعض الدول أكثر من غيرها، أثناء اختيارها الوقوف الى جانب إيران أو الولايات المتّحدة الأميركية، كتركيا والهند على سبيل المثال. فالبلدان يعتمدان بشكل كبير على واردات الطاقة من إيران، اذ تستورد الهند حوالي %16 من واردات إيران من النفط، فيما تستورد تركيا حوالي %10 منها، ولذلك، سيكون من الصعب بمكان بالنسبة لهما القيام بتخفيض سريع وكبير لواردات الطاقة من طهران، فضلاً عن قطعها تماماً. مع اشتداد التجاذب، ستجد هذه الدول نفسها مضطرة ــ بشكل متزايد ــ للاختيار بين ان تستجيب للولايات المتحدة وتخسر نفط ايران الرخيص، أو ان تختار الأخير وتخاطر بإمكانية تطبيق واشنطن لعقوبات عليها. معظم التوقعات تشير الى ان هاتين الدولتين ستضطران في نهاية المطاف الى تخفيض حجم واردات الطاقة من إيران. خيارات الهند تبدو محدودة، وبالرغم من ان الجانب التركي كان قد أكّد أنّه لن يستجيب للمطالب الأميركية، لكنه سيكون من الصعب عليه مواجهة الجانب الأميركي لوحده، خاصة اذا ما استجابت دول أخرى لمطالب واشنطن.
مشاركة :