صفقة إطلاق الرهائن: الدوحة ما كانت لتنجح لولا علاقتها بجبهة النصرة

  • 7/20/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتم هذه الأيام تنفيذ أحد فصول الاتفاق بين هيئة تحرير الشام والنظام السوري بإعلان الخروج الكامل لأهالي بلدتي كفريا والفوعة، مقابل خروج معتقلين من فصائل المعارضة لدى النظام السوري وحزب الله اللبناني، في صفقة تخفي بين طياتها تفاصيل صفقة أخرى أكثر إثارة للجدل، وهي تلك المتعلقة بتحرير رهائن قطريين تم اختطافهم في العراق لينتهي مطاف المفاوضات باتفاق الهدنة والتهجير (اتفاق المدن الأربع) بين النظام السوري وهيئة تحرير الشام، كما تسلط الصفقة الضوء على علاقة الدوحة بجبهة النصرة. لندن - في ذروة المعارك الدائرة بين النظام السوري والمعارضة المسلحة في إدلب، تم توقيع اتفاق بين النظام وهيئة تحرير الشام، يقضي بإجلاء المدنيين والمقاتلين من مدينتي كفريا والفوعة باتجاه مدينة حلب، ويقوم النظام بتأمين خروج آمن لمقاتلي هيئة تحرير الشام. وتذكر تقارير نشرتها وكالة إباء، الناطقة باسم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، حول تفاصيل اتفاق كفريا والفوعة، أن الصفقة تمت بضغط إيراني. لكن هناك طرف ثالث رئيسي خفي، هو قطر. قد تبدو للوهلة الأولى أن لا علاقة للصفقة بين هيئة تحرير الشام والنظام السوري، وعملية تحرير 28 رهينة قطرية، منهم أفراد من العائلة الحاكمة اختطفهم حزب الله العراقي عندما كانوا في رحلة تقليدية لصيد طير الباز في العراق يوم 16 ديسمبر 2015. لكنّ تقريرا نشرته مؤخرا هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” يكشف عن علاقة وطيدة بين العمليتين ويظهر كيف ساعدت أكبر فدية في التاريخ في تمويل منظمات مصنفة على قائمة الإرهاب الدولية. وبيّنت الوثائق أن “هذه الفدية كانت جزءا من صفقة أكبر تشمل الحكومات الإيرانية والعراقية والتركية، فضلا عن ميليشيا حزب الله اللبنانية، إضافة إلى مجموعتين معارضتين سوريتين على الأقل، بما في ذلك جبهة النصرة، وهي فصيل مرتبط بالقاعدة”. وتأتي الوثائق التي كشفتها بي.بي.سي متفقة مع وثائق سابقة كانت قد كشفت عنها صحيفة واشنطن بوست، التي قالت إن المحادثات والرسائل النصية التي حصلت ترسم صورة أكثر تعقيدا، حيث يظهر كبار الدبلوماسيين القطريين الذين يبدو أنهم يوقعون على سلسلة من الدفعات الجانبية تتراوح ما بين 5 و50 مليون دولار للمسؤولين الإيرانيين والعراقيين وزعماء القوات شبه العسكرية، مع تخصيص 25 مليون دولار لمدير حزب الكتائب العراقي، و50 مليون دولار مخصصة لـ”قاسم”، في إشارة إلى قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني. دليل على تورط قطر كتب نيكولا وولر، مدير التحرير في صحيفة نيو أوروب، الإلكترونية، معلقا على ما كشفته البي.بي.سي “تنكر قطر على الدوام أنها دفعت أموالا لأي تنظيم إرهابي في إطار صفقة لإطلاق سراح رهائن، لكن وثائق تحصلت عليها بي.بي.سي تظهر تفاصيل عن اتصالات بين الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وسفير قطر في العراق زايد الخيارين في كامل فترة الأزمة، ويبدو فيها أن قطر دفعت أكثر من مليار دولار لتحرير المحتجزين”. ومن بين الرسائل التي نقلتها بي.بي.سي رسالة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذي كان في ذلك الوقت يستعد ليصبح وزير الخارجية القطري الجديد، إلى زايد الخيارين، وهو أول مبعوث دبلوماسي قطري في بغداد في فترة 27 سنة الماضية، جاء فيها “جاسم هو ابن عمي وخالد هو زوج عمتي. رعاك الله، عندما تتلقى أي أخبار أعلمني على الفور”. ثم توالت الرسائل بعد ذلك، ودخلت الحكومة القطرية في محادثات سرّية لتحرير مواطنيها. وبدأت المفاوضات في نهاية سنة 2015 وانتهت في أبريل 2017. وتظهر الرسائل النصية والصوتية أن الخاطفين أضافوا الكثير إلى مطالبهم، وناوروا مرارا، داعين الدوحة تارة إلى الخروج من التحالف العربي الذي يقاتل الحوثيين في اليمن، وتارة أخرى إلى ضمان إطلاق سراح الجنود الإيرانيين المحتجزين في سوريا. وبعد مفاوضات طويلة تدخل قاسم سليماني، الذي يملك سلطة على ميليشيا حزب الله في العراق. لكن، لم يحل سليماني القضية مباشرة بل يبدو أنه ماطل بدوره، حيث تكشف رسالة من الخيارين السفير إلى عبدالرحمن آل الثاني أن “سليماني التقى الخاطفين وضغط عليهم لأخذ المليار دولار. لم يردوا عليه بسبب شروطهم المالية.. سليماني سيعود”. وفي نوفمبر 2016، ظهر عنصر جديد في المفاوضات، إذ طلب سليماني من قطر المساعدة في تطبيق ما سمّي “اتفاق المدن الأربع” في سوريا. الخطوط القطرية بنقلها للفدية تطرح جدلا حول استغلال الطائرات المدنية لإيصال الأموال إلى تنظيمات إرهابيةالخطوط القطرية بنقلها للفدية تطرح جدلا حول استغلال الطائرات المدنية لإيصال الأموال إلى تنظيمات إرهابية وحسب السفير القطري، فقد قال الجنرال سليماني لكتائب حزب الله، إنه إذا أنقذ سكانا في سوريا بفضل اتفاق المدن الأربع، فسيكون من المعيب طلب “رشاوى شخصية”. وانتهى الأمر بالاتفاق على تحرير الرهائن مقابل دفع 1.15 مليار دولار للخاطفين بالإضافة إلى ضغط الدوحة على الفصائل الجهادية التي تدعمها في سوريا للخروج من كفريا والفوعة. وفي 21 أبريل 2017 تم إطلاق سراح الرهائن القطريين بعد أن صلت الأموال على متن طائرة تابعة للخطوط القطرية إلى مطار بغداد. وفتحت فضيحة الخطوط القطرية بنقلها للأموال باب التساؤلات حول كم من مرة تم خلالها استغلال النظام القطري للطائرات المدنية لإيصال الأموال إلى مثل هذه الجهات. وهي خطوة وصفها المراقبون بالتهديد الكبير الذي يمس الملاحة الجوية الدولية، وخدعة قذرة للملايين من الركاب باستغلاله الطائرات في أغراض غير مشروعة. ومثلما دفعت الدوحة للخاطفين دفعت أيضا لهيئة تحرير الشام لتنفيذ الاتفاق. ويقول مراقبون إن هيئة تحرير الشام أصبحت أقوى جراء التدفقات المالية ومساحة التقاط الأنفاس المتوفرة في سوريا. وتنقل صحيفة فاينانشيل تايمز عن شخصيتين من المعارضة السورية لهما روابط وثيقة مع المجموعات المدفوع لها، أن قطر دفعت ما بين 120 و140 مليون دولار أميركي لهيئة تحرير الشام. ويقولان إن 80 مليون دولار إضافية ذهبت إلى تنظيم أحرار الشام.وتضيف الصحيفة في شهادة أخرى نقلتها عن قائد بالمعارضة المسلحة السورية طلب عدم الكشف عن هويته، “القطريون يدفعون لأي شخص وللجميع، ولأي غاية؟ لم يجلبوا لنا إلا الدمار”. وقال مسؤول عربي إن مجموع المبالغ المدفوعة للمجموعات الجهادية كان أقرب إلى 300 مليون دولار، “وبالتالي إذا أضفت ذلك إلى 700 مليون دولار أخرى دفعت إلى إيران ووكلائها ذلك يعني أن قطر دفعت في الواقع حوالي مليار دولار في هذه الصفقة المجنونة”. دعم جبهة النصرة كان الفرنسيان نيكولا بو وجاك ماري بورجيه، كشفا في كتابهما “قطر الصغيرة العدوانية.. هذا الصديق الذي يريد بنا شرا” عن العلاقة بين الدوحة وجبهة النصرة، المعلن عنها في 2011. وأشارا إلى أن الدوحة أصبحت عاصمة لبعض فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى الجماعات المسلحة كجبهة النصرة، كما كانت من قبل ملجأ للتنظيم الأم القاعدة. واستدل بو وبورجيه في إبراز هذه العلاقة الوثيقة بين قطر وجبهة النصرة، بدفع الدوحة لفدية للإرهابيين لإطلاق سراح الراهبات السوريات في معلولا، وذلك في مارس 2014. وفي نفس السنة توسّطت الدوحة أيضا للإفراج عن 45 جنديا فيجيا من قوّة الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار في هضبة الجولان كانت تحتجزهم جبهة النصرة في الجزء غير المحتل من الهضبة. وفي مثال آخر، تدخلت قطر للإفراج عن الصحافي الأميركي بيتر ثيو كورتيس الذي كان محتجزا لمدة 22 شهرا لدى جبهة النصرة.ويقول مراقبون إن جبهة النصرة أعلنت فك الارتباط بالقاعد، وغيّرت اسمها إلى جبهة فتح الشام، بسبب ضغوط الداعمين لها ماليا، وعلى رأسهم تركيا وقطر. زار قادة جبهة النصرة الدوحة أكثر من مرة، وعقدوا اجتماعات مع كبار المسؤولين والممولين العسكريين القطريين، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال وكانت وكالة رويترز ذكرت في تقرير نشرته في مارس 2015، أن أمير جبهة النصرة أبومحمد الجولاني، التقى مسؤولين وحاولوا إقناعه بفكرة التخلّي عن تنظيم القاعدة. كما أوضحت رويترز أن “الجولاني، الذي أجرى حوارا حصريا مع قناة الجزيرة، يؤيد هذا المقترح رغم وجود اعتراضات داخل مجلس شورى جبهة النصرة”. وكانت الخطة ترمي إلى فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة مقابل زيادة الدعم المالي، بالإضافة إلى تشكيل كيان جديد يضم جبهة النصرة وجيش المهاجرين والأنصار في سوريا. يأتي التقرير البريطاني ليؤكد كل ما سبق في وقت تسعى فيه الدوحة جاهدة لتجميل صورتها، وهي تواجه خطر سحب شرف تنظيم كأس العالم منها، بالإضافة إلى استمرار أزمة المقاطعة وصولا إلى المطالب الأميركية المتصاعدة بمراجعة العلاقة مع الدوحة، فلا يمكن أن يكون حليف الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب أحد الممولين الرئيسيين للجماعات المصنّفة على قائمة التنظيمات الإرهابية.

مشاركة :