التفوق الدراسي بوابة البسطاء لمزاحمة الأغنياء في مصر

  • 7/21/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أظهرت نتائج امتحانات الثانوية العامة المصرية هذا العام تصدر أبناء البسطاء قائمة الطلاب المتفوقين، في تكرار لظاهرة أصبحت تحدث كل عام تقريبا، ما يزيد من حرج الحكومة التي تصر حاليا على التوسع في المدارس الخاصة ذات التكاليف المرتفعة التي لا يستطيع طلاب الطبقة الفقيرة الالتحاق بها. القاهرة- أكدت نتائج المرحلة الثانوية أن استراتيجية الحكومة نحو تحسين واقع التعليم تسير في طريق معاكس، لأنها تركز على إنشاء مدارس ذات طبيعة استثمارية دون تحسين البيئة التعليمية في المدارس الحكومية التي تحتضن حوالي 22 مليون طالب، ما جعل أصواتا تنادي بالاهتمام بتعليم أبناء البسطاء لأنهم أكثر قدرة على تحسين صورة التعليم في مصر. وكان لافتا أن أوائل الثانوية العامة لا يوجد بينهم سوى أربعة طلاب من المدارس الخاصة، بينما هناك 50 طالبا من المدارس الحكومية، في مؤشر يؤكد أن مدارس البسطاء ما زالت المصدر الأهم لتخريج عقليات علمية قادرة على التغيير. وكشف المستوى الاجتماعي لأوائل الثانوية العامة أن خريجي المدارس الحكومية يتمسكون بالتفوق الدراسي في مواجهة تقسيم التعليم إلى طبقات، يحتكر فيها خريجو المدارس والجامعات الدولية والخاصة سوق العمل. وتتشعب المدارس في مصر حسب القدرات المالية للأسر، بعدما اختفى نظام التعليم الواحد، وأصبحت هناك مدارس حكومية للبسطاء، وتجريبية ويابانية للأسر المتوسطة، ومدارس خاصة ودولية لأبناء الطبقة الميسورة، ما أدى إلى اختلاف الثقافات والقيم والأحلام والطموحات. وتشير ظاهرة اكتساح أبناء الطبقة الكادحة للمراكز الأولى علميا إلى أن هذه الفئة من المجتمع هي الأكثر تقديسا للتعليم وتعتبره بوابة الخروج من دائرة الفقر، والوصول إلى مكانة اجتماعية لائقة تناهز تلك التي يعيشها أبناء الطبقات الميسورة، لأن السواد الأعظم من المتفوقين البسطاء يلتحقون بجامعات دولية وخاصة عن طريق منح مجانية مكافأة لهم على التفوق. ويعتقد هؤلاء أن الوصول إلى هذه الجامعات، التي تصل مصروفاتها إلى نحو عشرة آلاف دولار في العام، لن يتحقق سوى بالتفوق الدراسي في التعليم الحكومي، وأن مساواتهم مع أبناء الأغنياء وملازمتهم في بيئة تعليمية متقدمة، لن يكون سوى بالتحصيل العلمي. ظاهرة اكتساح أبناء الطبقة الكادحة للمراكز الأولى تدل على أن هذه الفئة تعتبر التعليم بوابة الخروج من دائرة الفقر وينظر أكثر أبناء البسطاء إلى التفوق الدراسي باعتباره السبيل الأمثل لمواجهة النفوذ المتصاعد وظيفيا واجتماعيا لخريجي المدارس التي تعتمد على دفع مصروفات كبيرة، في حين يعجز الطلاب من أبناء البسطاء عن دفع تكاليف دروس خصوصية لا تحتاج أكثر من مئتي جنيه شهريا (11 دولارا). واحتفل المصريون العام الماضي بالطالبة مريم فتح الباب، ابنة حارس العقار التي حصدت المركز الأول على مستوى الجمهورية، وكانت تقضي أوقات المذاكرة في غرفة لا تتجاوز 5 أمتار مع أفراد أسرتها، وقبل أيام احتفلوا بالطالب محمود ابن بائعة أسطوانات البوتاغاز، وهاجر ابنة الفلاح البسيط. وأدرك محمود زكي، الذي احتل المرتبة الرابعة على الجمهورية، أنه لن يستطيع قهر الظروف القاسية التي تعيشها أسرته البسيطة، سوى بأن يقوم بنفسه بتغيير الواقع من خلال التفوق الدراسي والالتحاق بكلية تمكنه من الوصول إلى مرتبة علمية متميزة. وقال لـ”العرب” إن الحكومة في مصر لم تدرك بعد أن الاهتمام بتعليم أبناء البسطاء والكادحين بوابة النهضة العلمية، ولا يمكن الارتقاء تعليميا بالتوسع في تطبيق نظم تعليم أوروبية أو الاهتمام بالتعليم الاستثماري، لأن أبناء البسطاء أمامهم خيار واحد، هو التفوق العلمي، أما باقي الفئات فإن خياراتها متعددة، وتمتلك رفاهية، وفق قدراتها المالية. ويوجد في مصر نحو 50 ألف مدرسة حكومية، تشتكي نقصا حادا في الإمكانيات وتدهورا في البنية التحتية، وتكدسا غير مسبوق في الكثافة الطلابية، وتقول الحكومة إنها تحتاج إلى نحو مئة مليون دولار للتوسع في بناء مدارس جديدة، وتحسين القائمة فعليا، ولا تسمح الظروف الاقتصادية بتوافر هذه المبالغ خلال الفترة الحالية. وأضاف محمود “أدركت أن السلم الوظيفي الراقي لن يكون إلا بالتميز العلمي لكسر احتكار أبناء الطبقة الميسورة للمناصب من خلال الشهادات الدولية التي بحوزتهم.. وكان التحدي أن أتفوق بالعلم على المال لأكون ضمن الذين يفرضون أنفسهم على مناصب ترتقي بواقعي الاجتماعي”. تتشعب المدارس في مصر حسب القدرات المالية للأسر، بعدما اختفى نظام التعليم الواحد، وأصبحت هناك مدارس حكومية للبسطاء، وتجريبية ويابانية للأسر المتوسطة، ومدارس خاصة ودولية لأبناء الطبقة الميسورة وتسود في مصر قناعة بأن خريجي المدارس والجامعات الخاصة والأجنبية، أكثر الفئات التي تستأثر بالوظائف المهمة في الجهاز الإداري للدولة، وسلك التدريس بالجامعات، والشركات الكبرى، ما وسع دائرة الطبقية في المجتمع. وأكد رضا حجازي رئيس قطاع التعليم العام بوزارة التربية والتعليم لـ”العرب”، “لولا أبناء البسطاء وتحملهم مسؤولية أسرهم، وحرمانهم من الرفاهية المتوافرة لأبناء باقي الفئات، لما كان في مصر عباقرة ومبتكرون، وإذا توافرت لهم نصف الإمكانيات لتغيرت المعادلة التعليمية في مصر تماما”. وحسب إحصائيات رسمية عن وزارة التربية والتعليم، فإن أكثر طلاب مدارس المتفوقين في مصر، التي يلتحق بها طلاب متميزون بعد المرحلة الإعدادية، من أبناء الطبقة الكادحة، أما باقي الطلاب فهم من المتفوقين بمدراس خاصة، ولا تتخطى نسبتهم 35 بالمئة. وتعتزم وزارة التربية والتعليم تطبيق نظام التعليم الجديد مطلع سبتمبر المقبل مع بداية العام الدراسي، وينحصر في تغيير محتوى المناهج وطرق التقييم، وتطبيق التعلم الإلكتروني، دون وضع خطة لتحسين البيئة التعليمية نفسها، والقضاء على كثافة الفصول وتحسين البنية التحتية. غير أن طارق نورالدين الخبير التربوي رأى أن ظاهرة انحصار التميز العلمي تقريبا في أبناء البسطاء تحتم على الحكومة أن تغير استراتيجيتها في التعامل مع مدارس الفقراء، بعدما أثبت أبناؤها أنهم الأمل في أن تكون لدى مصر فئة من الطلاب تمتلك مهارات علمية قادرة على أن تقود عجلةالحراك الاجتماعي. وأوضح لـ”العرب” أن الاعتماد على أن تقوم مدارس خاصة ودولية بدور بديل عن نظيرتها الحكومية بذريعة انخفاض المخصصات المالية الموجهة للتعليم الحكومي، قد يصل بالمنظومة التعليمية إلى مرحلة الترهل والانهيار، لأن ذلك يغذي إهدار موارد وقدرات بشرية هائلة، ويجعل مصر بعد سنوات قليلة دولة تعاني شحا في الكفاءات العلمية.

مشاركة :