الفعل الثقافي في ثورة البصرة

  • 7/22/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

توصف البصرة على أنها مدينة الأدباء والعلماء والمفكرين والنحاة والأدباء والفقهاء ورجالات العلم والمتصوفين، ولماضيها الثقافي العريق أثرٌ ما يزال قائماً حتى اليوم بأسماء كبيرة لا يستطيع الحاضر بنضجه الثقافي الفعلي أن يتجاوز عطاءاتها الأدبية والعلمية الفذة في الشعر والحكاية واللغة والنحو كالفراهيدي وأبي الأسود الدؤلي والحسن البصري ومحمد بن سيرين وسيبويه ورابعة العدوية والجاحظ وابن الهيثم والمبرّد، وآخر الأساطير الشعرية بدر شاكر السياب، لذلك فالبصرة من هذه الناحية الجمالية هي من أكثر المدن العربية إشعاعاً تاريخياً ما يزال باقياً وما يزال أَعْلامُها ومنجزها اللغوي والشعري والنثري قيد البحوث والدراسات الأكاديمية. وبالتالي فهي ذاكرة جمعية لمجتمع جنوبي له من الخصائص ما يبيح له أن يحافظ على هذه الثروة الثقافية الممتدة لآلاف السنوات، حتى وإن تغير شكل الحياة وصار النفط علامة سياسية وثروة دولارية تذهب إلى جيوب المنتفعين والسياسيين، من دون أن تحظى الثقافة منه بشيء شأنها شأن بسطاء الناس الذين يقتاتون على الجوع والعطش والفاقة. الموقع الحيوي للبصرة في رأس الخليج العربي كونها ميناءً نفطياً يصدّر ما مقداره 90 بالمئة من النفط الوطني جعلها مطمع الغزاة على مدار تاريخها القديم والحديث، الذي يؤرشف الكثير من الغزوات الأجنبية والاستعمار المتناوب، مثلما يؤرشف كثيراً من الثورات الداخلية التي تناهض القمع والطغيان وتهدر الكرامة وتسيّس العقول إلى مصالح خارجية وتهمّش الحياة بطريقتها الفجّة كثورة الزنج (255 هـ) التي أحرقت البصرة العباسية، وثورات الخوارج ضد الحجاج وغيرها من الثورات الداخلية التي كانت تطالب بالحرية والاستقلال وفك القيود السياسية عن رقاب الناس. وما زلنا نشهد مثل هذا التوجه في نفوس البصريين الذين بدأوا ينتصرون على أكثر من جهة في آن واحد لا سيما في الثورة الأخيرة ضد الحكومة ورموزها الفاسدة، وأول الانتصارات التي تحققت هي النصر على الذات المذهبية المفروضة من جهة خارجية، وهذا يُعدّ تحولاً مركزيا في كيفية النظر إلى الروح الوطنية وتجريدها من عوامل المذاهب والإملاءات الخارجية المتطرفة التي كانت تهدف إلى إشاعة الجهل والعماء بين الناس لتحقيق أقصى المصالح الفردية والحزبية. هذا المجتزَأ الثقافي كان خلفية للمتظاهرين والمنتفضين الذين أيقظوا في دواخلهم السلاح الثقافي المستتر الدافع القوي للثورة، وحتى بسطاء الناس كانوا يفهمون هذه التاريخية الفذة للمدينة التي تعرضت إلى التجهيل والعماء ولخبطة المفاهيم الدينية فيها؛ غير أن مثقفي المدينة ومعهم مثقفو العراق بشكل عام فرشوا أرضية الثورة بالكثير من هذا التاريخ الثقافي والعلمي كشعارات أو قصائد أو إطلاقات قلمية مصاحِبة لهذا الفيض البشري الذي لم يعد يحتمل التهميش ولا الفقر والجوع والعطش وهو الرابض على محيط من النفط. الفعل الثقافي المستتر في ضمائر المتظاهرين هو الفعل ذاته الذي أخذ يبرز ويكبر بظروف جديدة، فالبصريُّ ابن التاريخ وعمقه وهو الوريث الأصيل له، وما يُفهَم من ثورة العطش البصرية هو الذي يُفهم من عمقه التاريخي وجذره الذي لم ينقطع بعد، لذلك تجلّى الفعل الثقافي الكامن في الروح الشعبية أولاً، قاد جزءا منها مثقفو البصرة والعراق وشغلوا مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة واسعة جداً ومع أن السلطة أغلقت الإنترنت وما تزال، إلا أن البدائل الإلكترونية كانت جاهزة لفتح الاستمرارية الثورية أمام جيل لم يفهم من لغة هذه السلطة غير السفسطة والتفاهة والغيبيات والبكاء على الأطلال، وبالتالي تحولت المدينة /البصرة/ كلها إلى مأتم وبكاء وعويل على ماضٍ بعيد، من دون أن تتطلع أجيالها الشابة على المستقبل وضرورات اللحاق به وتوسيع دائرة المعارف الشخصية والجماعية لرؤية الحياة من وجهها الصحيح. الفعل الثقافي الذي سار مع هذه الثورة من شقيه التاريخي والواقعي الحاضر كان واحداً من أسباب انتشارها بين قطاعات واسعة من محافظات الجنوب والفرات الأوسط، عندما وضعت السياسيين في فك الثقافة العريقة على المحك. ثقافة البصرة الفيحاء الزاهرة.. عين العراق.

مشاركة :