كارثة بيئية تكمل تهيئة الأرضية لثورة شعبية في البصرة

  • 12/10/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

البصرة (العراق) - يواجه سكّان جنوب العراق كارثة بيئية ترتقي إلى مرتبة تهديد الحياة، كونها تتعلّق بالمياه الشحيحة أصلا في تلك المناطق التي يعاني سكانها ضعفا شديدا في جهود التنمية وترديا في الخدمات الأساسية المقدّمة إليهم من قبل الدولة، رغم أنّ مناطقهم تشكّل المصدر الأساسي لتمويل ميزانيتها من عائدات النفط الذي ينتج أغلبه في محافظة بالبصرة. وشهدت تلك المناطق خلال الأشهر الماضية موجات من الغضب الشعبي انطلقت من البصرة احتجاجا على سوء الأوضاع المعيشية وسوء الخدمات وعلى رأسها تزويد السكان بالطاقة الكهربائية ومياه الشرب. ومع العودة التدريجية للاحتجاجات خلال الأيام الماضية، بدأت التحذيرات من وجود ملامح ثورة عارمة بالجنوب العراقي، بعد أن دب اليأس بين سكانه من تنفيذ الوعود الحكومية بتحسين الأوضاع. وأعلنت محافظة البصرة، الأحد، أن مياه شط العرب غير صالحة للاستخدام البشري، مشيرة إلى أنها تسببت بالآلاف من حالات التسمم التي شهدتها المحافظة على مدى الأشهر الماضية. وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت الشهر الماضي تسجيل 118 ألف حالة تسمم جراء تلوث مياه الشرب في محافظة البصرة. وقال ضرغام الأجودي نائب المحافظ في مؤتمر صحافي، إنّه “تبين بعد تدقيق وفحوصات مختبرية أن مياه شط العرب ملوثة بعدة أنواع من الملوثات وتزداد خطورة التلوث في المناطق المشتركة بين العراق وإيران”. وأضاف “توجد ملوثات عديدة، منها بعض أنواع البكتيريا وبقايا الأسمدة والمبيدات الحشرية، والمخلفات الكيمياوية والصناعية والنفطية وتصعب معالجتها أو إزالة أضرارها تماما”. بدأت الاحتجاجات الشعبية تتجاوز الطابع المطلبي لتشكل تحديا لتجربة الحكم القائمة في العراق منذ سنة 2003 لكن الملوث الأخطر بحسب البيان، هو عنصر الكادميوم، حيث بلغت مستويات التلوث به أكثر من 53 ضعفا عن الحد المسموح، وكانت نسبة الرصاص أعلى بعشرات أضعافها، كذلك الحال بالنسبة للنترات والكبريتات، التي كانت أعلى بتسعة أضعاف. ويتواجد عنصر الكادميوم، وهو عنصر كيميائي يسمى أيضا كربونات الخارصين، حسب المستويات المسموح بها عالميا في مياه الشرب بتركيز يبلغ 0.04 بالمئة في كل مليغرام للتر من المياه. وشرح المسؤول العراقي أنّ “الأعراض التي عانى منها المواطنون في البصرة، تتطابق مع أعراض التسمم الحاد بالكادميوم الذي قد يسبب السرطان وهشاشة العظام والفشل الكلوي”. والبصرة هي ثاني أكبر محافظات العراق مساحة بعد محافظة الأنبار بغرب البلاد، وتقع في أقصى الجنوب العراقي على الضفة الغربية لشط العرب، وهو المعبر المائي الذي يتكون من التقاء نهري دجلة والفرات في القرنة. وتوجد بالبصرة أكبر آبار العراق النفطية وتنتج ما لا يقل عن 80 بالمئة من نفط البلاد وهي المنفذ البحري الوحيد للبلاد، لكنّ سكانها يقولون إنّهم لا يستفيدون من عوائد النفط، الأمر الذي يفسّر توجيه غضبهم صوب مناطق استخراجه ومقرات الشركات العاملة فيه. وبدأت الاحتجاجات الشعبية في البصرة تتجاوز طبيعتها المطلبية لتشكّل تحدّيا لتجربة الحكم التي قامت في العراق منذ إسقاط الغزو الأميركي لنظام حزب البعث سنة 2003 وصعود أحزاب دينية جلّها موال لإيران إلى سدّة الحكم. وسجّلت الدولة العراقية منذ ذلك الحين تراجعات واضحة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ما جعل المحتجّين يرفعون خلال الأشهر الماضية شعارات لا تستثني إسقاط النظام القائم وانتقاد الجارة إيران الداعمة بقوّة لرموزه. وما يجعل من احتجاجات جنوب العراق تحدّيا مضاعفا للأحزاب الشيعية الحاكمة، أنّ محافظات مثل البصرة تمثّل الحاضنة الشعبية لتلك الأحزاب كونها موطنا رئيسيا لشيعة البلاد. واضطرّت القوات الأمنية العراقية قبل أيام إلى إطلاق النار في الهواء لمنع محتجّين من اقتحام السياج الخارجي لحقل “غرب القرنة 2” النفطي في البصرة. ويحمل توجّه المحتجين صوب المنشآت النفطية رغبة في إبراز المفارقة الصادمة المتمثّلة في غنى المحافظة بالنفط، بينما يعاني سكانها أوضاعا مزرية، وهي معادلة تنسحب على العراق ككل وتعكس حالة من الفشل المزمن في إدارة ثروات البلاد بسبب تفشّي الفساد في مختلف مفاصل الدولة. ويمرّ العراق حاليا بفترة انتقال غير سلس من حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، إلى حكومة رئيس الوزراء الجديد عادل عبدالمهدي المتعثّرة في بدايتها بسبب العجز عن استكمال تشكيلتها المنقوصة من ثماني حقائب لا تزال مدار صراع شرس بين الكتل السياسية. وساهم ذلك التعثّر في شيوع حالة من السوداوية والتشاؤم في صفوف العراقيين، لكون تواصل الصراع على المناصب يكرّس انفصال الطبقة السياسية عن مشاغل المواطنين وانصرافها لخدمة المصالح الشخصية والحزبية لقادتها ورموزها.

مشاركة :