د. ناصر زيدان تعتبر المصالحة التي جرت بين إثيوبيا وإريتريا التي لعبت فيها دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً بارزاً في تحويلها إلى واقع من أبرز الأحداث الإفريقية على الإطلاق، حيث إنها طوت صفحة من العداء بين البلدين، استمرَّ ما يناهز النصف قرن. والزيارات المتبادلة بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياسي أفورقي إلى عواصم كل من البلدين فيها جرأة دبلوماسية لافتة. والمشاركة الشعبية في استقبال آبي في أسمرا، كما الاستقبال الحاشد والفولكلوري لأفورقي في أديس أبابا بعد أسبوع دلالة واضحة على الإرادة بترسيخ التعاون، وفي أن البلدين الجارين يحتاجان لبعضهما البعض، كما أن الشعب الاريتري والشعب الاثيوبي لديهما تاريخ مشترك يساعد على التعاون. يحاول رئيس وزراء إثيوبيا الشاب آبي أحمد تقليص مساحة العداء التي ورثها من أسلافه مع جيران بلاده إلى الحدود الدنيا، وهو يعمل على تبديد مخاوف مصر والسودان في مسألة مياه النيل، ويؤكد أن هذا التوسُّع ليس على حساب مصالح البلدين الجارين. وخطوات آبي أحمد التصالحية مع إريتريا وغيرها لها تأثيراتها الجيوسياسية الواسعة في القرن الإفريقي برمته، كما لها تأثيرات استراتيجية كبيرة عفي المعادلات الدولية والإقليمية القائمة، ذلك أن موقع البلدين الجارين مهمٌ جداً لكونهما يشرفان على اهم الممرات المائية الدولية في البحر الأحمر، وتحديداً مضيق باب المندب، كما أن إريتريا يمتد ساحلها على البحر الأحمر إلى ما يُقارب 1000 كلم، وخلفها تماماً تتمدد السهوب والجبال الاثيوبية على مساحات واسعة تتجاوز مليوناً ومئة ألف كلم مربع. وإذا ما تجاوز البلدان مفهوم «الساحل المسلم والجبال المسيحية» واتحدا سياسياً، فسيكون لذلك قوة مهمة لهما. ولإريتريا وإثيوبيا تأثيرات كبيرة في الأمن الإفريقي، وفي الأمن القومي العربي بشكلٍ خاص، لأنهما تجاوران بلداناً عربية مهمة كمصر والعربية السعودية والسودان واليمن، وقد حاولت «إسرائيل» التغلغُل فيهما لتهديد هذا الأمن. اتفق الرئيسان أفورقي وآبي أحمد على تنفيذ قرار محكمة لاهاي الدولية للعام 2002، القاضي بترسيم الحدود بين إثيوبيا وإريتريا على أساس أن تكون منطقة «بادمي» الاستراتيجية تحت السيادة الاريترية، وهذا الموضوع كان سبباً رئيسياً للحروب التي قامت بين البلدين في الماضي.ومعاهدة الصداقة والسلام التي وقعها الرئيسان في مدينة أسمرا الاريترية في 9/7/2018 تكفل انسياب البضائع الاثيوبية عبر الموانئ الاريترية من دون أية عوائق، ما سيعود بالفائدة الكبيرة على البلدين الجارين. وفي متن بنود هذه المعاهدة التاريخية ضمانة لاستمرار السيادة الاريترية على الأراضي التي حددها إعلان الاستقلال في العام 1993، وإعادة فتح السفارة الاريترية في أديس أبابا بعد إقفال استمرَّ 20 عاماً، فيه مؤشرٌ واضح على جدية التعاون الجديد بين الدولتين. القوى الاقليمية الكبرى المحيطة بالقرن الافريقي وسواحل البحر الأحمر لا تخشى من هذا التعاون الجديد بين إثيوبيا وإريتريا، ذلك أن الحرب بين الدولتين كانت تربك هذه القوى على درجة أكبر. وكانت كل من مصر والمملكة العربية السعودية اللتين تربطهما علاقات مع إثيوبيا لا ترغبان بذات الوقت بالتخلي عن إريتريا.مصالحة المصالح بين إثيوبيا وجارتها الصغيرة إريتريا أنهت أصعب حروب إفريقيا، وهي لا تُهدِد مصالح الدول المجاورة في ذات الوقت، وقد تُساهم في تحسين مستوى الاستقرار الإقليمي في المنطقة.
مشاركة :