مر زمان كان الحديث فيه عن جواز سماع الغناء ممنوعا، وأتى زمان أوشك أن يصبح الحديث عن تحريم سماع الغناء محظورا، ولم يكن من الحق منع القول بجواز الغناء كما ليس من الحق حظر القول بتحريمه، ما دام كلا الرأيين صوابا يحتمل الخطأ أو خطأ يحتمل الصواب، وما دام كلا الرأيين لا ينزل منزلة الفتوى التي تقتضي السمع والطاعة أو القانون الذي يلزم الأخذ به، لا ضير أن يكون هناك من يرى جواز السماع ولا ضير كذلك أن يكون هناك من يرى تحريمه، فلكل منهما حجته وأدلته والتي يلزمه هو اتباعها والأخذ بها ولا تلزم غيره ممن لا يرى ما يراه، ولكن الضير كل الضير إنما هو ما يحاط به كل رأي من الرأيين من شبهات تبلغ حد قذف الرأي المخالف، فيوصف من يحرم السماع أو يستكرهه بالتطرف ويوصف من يجيز سماع الغناء بالفسق والفجور. حكم الغناء مختلف فيه، وكل ما يقع فيه الخلاف لا ينزل الأخذ برأي فيه منزلة الوجوب، غير أن اتخاذ أحد الرأيين وسيلة وسببا لشيطنة الآخر وتشويه صورته هو ما يمكن أن يفتح بابا للفتنة نحن في غنى عن فتحه. وما يصدق في أمر الغناء وحكمه يصدق في كثير من الأمور التي تتناوب عليها أحكام التحليل والتحريم والجواز والكراهية مما لا ضير في اختلاف الرأي حولها وإنما الضير إلزام الناس فيها بهذا الرأي أو ذاك وإكراههم على الأخذ به واتباعه ولهم عن ذلك مندوحة تتمثل في الأخذ بغير ذلك الرأي المفروض عليهم. *نقلا عن عكاظ
مشاركة :