الرباط - يعيش المغرب كغيره من دول العالم خلال العقود الأخيرة على وقع تحولات وتغييرات سريعة كان لها تأثير كبير على المنظومة التربوية. فمؤسسات التعليم اليوم تشتغل في وسط مختلف جدا عن الوسط الذي وُجدت فيه منذ عقود، فهي الآن في مواجهة مجموعة من المشاكل والضغوط الاجتماعية التي تتسم بكونها أكثر خطورة، وينتظر منها أن تلعب أدوارا مهمة على المستوى الاجتماعي، وأن تعين الناشئة على تنمية وتطوير كفاءاتهم الضرورية للبقاء والمحافظة على الاستمرارية والازدهار في عالم سريع التطور. وهذا الجانب يؤكد عليه عزيز بوستا، الأستاذ الباحث في علوم التربـية فـي المغرب، الذي يشير إلى أنه مع انتقال العالم من عصر الآلة إلى عصر المعلومات والعولمة ودخوله مرحلة التغييرات السريعة، أصبحت الأنظمة التربوية مضطرة إلى مراجعة طرق وآليات اشتغالها، وفلسفتها وبرامجها، من أجل التكيّف مع البيئة الجديدة التي تأتي أدوار المدرس في مقدمة العناصر التي يجب أن يشملها هذا التغيير الذي تفرضه التحديات البيئية إلى جانب عناصر أخرى لا تقل أهمية تتعلق بجوانب تنظيمية وإدارية وتشريعية. ويقر خبراء في قطاع التعليم بأن الاهتمام الذي توليه كل من وزارتي التربية والتعليم العالي لمعالجة أزمة إصلاح البرامج التعليمية يتأتى من حرص القائمين على قطاع التعليم على إعطاء المزيد من الانفتاح للبرامج الدراسية بما يجعلها مواكبة لرؤية المغرب القائمة على التطور التكنولوجي ودعم الحلول والتجارب المبتكرة في مجال التعليم. وقال بوستا في تصريح لـ”العرب”، على هامش لقاء فكري حول التربية والتعليم بمدينة القصر الكبير، شمال الرباط، إن أهم ما يميّز المدارس التقليدية، التي ما زالت في نظره تحافظ على برامج وطرق تدريس تقليدية بأشكال ودرجات متفاوتة، هو اعتماد الطلاب المفرط على مدرسهم في كافة المستويات، معللا ذلك بكون المدرّس كان يمثل المصدر الرئيسي للمعلومات إلى جانب الكتب المدرسية. والمدرّس في نظر الأستاذ الباحث في علوم التربية هو العنصر المحوري في الفصل الدراسي، بل إنه المسؤول الوحيد عن أنشطة الفصل على مستوى التخطيط والتنفيذ والتقويم، ويظل همّه الوحيد هو تنفيذ البرنامج الدراسي وتحقيق أهدافه التي غالبا ما تقتصر على معلومات ومعارف محضة. ورغم أن هذه الأدوار التقليدية للمدرس كان لها ما يبررها خلال عقود سابقة؛ حيث كانت منسجمة مع مستوى التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعلمي الذي عرفه العالم سابقا، إلا أنها اليوم لم تعد تتماشى مع التطور الحاصل الذي عرفه العالم وخصوصا في مجالي التقنية الرقمية والابتكار. ويفسر بوستا ذلك بقوله إن ما يميز العصر الحديث وبعد حصول تغييرات عبر التطور الذي عرفته الأبحاث والدراسات في مجال البيداغوجيا والديداكتيك، بات من الضروري العمل على خضوع أغلب المنظومات التربوية ومن ضمنها المنظومة التربوية المغربية، لإصلاحات كبرى تسعى إلى ردم الهوة الكبيرة التي تفصل المؤسسة التعليمية عن التحولات الهامة والتقدم الكبير في مجال العلم والتكنولوجيا، وكان لا بد لأدوار المدرس أن تتغير؛ فهو لم يعد اليوم ذلك المالك والمحتكر الوحيد للمعرفة والمعلومات، فباستطاعة أي طالب أن يحصل عليها بسهولة من كافة وسائل الاتصال المتاحة. ويشرح بوستا ذلك لـ”العرب” بقوله إن الطالب اليوم لم يعد ذلك الطفل السلبي سهل الانقياد، والذي يقبل كل الأوامر والنواهي بل والعقوبات القاسية التي يلحقها به المدرس التقليدي. فالانفتاح السياسي التدريجي الذي يعرفه المجتمع وازدياد انتشار الثقافة الحقوقية عامة وثقافة حقوق الطفل خاصة جعلا المدرس التقليدي يعاني كثيرا من المشاكل مع طلابه وآبائهم وأولياء أمورهم. وعلى المستوى البيداغوجي، يقول أستاذ تكوين الأساتذة في مهن التربية بالمغرب، إن مقاربة التدريس بالكفايات التي تبناها الإصلاح التربوي المغربي تهدف إلى تغيير دور المدرس ليصبح مدربا، كما هو الحال في الميدان الرياضي أو الورش الفنية، وداعما لما تعلّمه طلابه. فالمدرس أصبح ينظم وضعيات مركبة ويكتشف مشاكل وتحديات ويقترح مشاريع، لكنه لا يتموقع في مقدمة ما وصفه الأستاذ المختص في علوم التربية بـ”المسرح” الدراسي ولا يحتكر الكلمة. يوسف حمادي كاتب مغربي
مشاركة :