هذه المذكرة المقدمة للرئيس أوباما هي للباحث في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينجز خالد الجندي، وهي بعنوان «ماذا لو تداعت رام الله وانهارت السلطة؟»، وتدور حول احتمال انحلال السلطة، سواءً تم ذلك من خلال قرار للرئيس محمود عباس، أو نتيجة تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية في الضفة الغربية، والمخاطر الناجمة عن ذلك على كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، وأيضًا الوسائل التي يستطيع الرئيس أوباما من خلالها الحيلولة دون وقوع هذا الانهيار. ويبدأ الجندي مخاطبته للرئيس أوباما بالقول: يهدد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بين الحين والآخر بحل السلطة الفلسطينية، وإعادة تسليم كامل المسؤولية عن 2.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية لإسرائيل. لكن حتى لو لم يكن جادًا في تهديده، فإن الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية والتي يزيدها تعقيدًا احتجاز إسرائيل لأموال التحويلات الضريبية الفلسطينية (تمثل ثلثي ميزانية السلطة الفلسطينية) وتضاؤل تبرعات الدول المانحة -خاصة الدول العربية- يمكن أن يؤدّي إلى نفس النتيجة. إن انهيار السلطة الفلسطينية يمكن أن يؤدي إلى توتر مدني فلسطيني واسع النطاق، وربما إلى انهيار تام للقانون والنظام في الضفة الغربية، بما يزيد من احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية عنيفة ضد إسرائيل، وبالتالي إعادة احتلالها للضفة الغربية بشكل كامل و/ أو سيطرة العناصر المتطرفة. أما من حيث المنظور الإستراتيجي، فيمكن أن يؤدّي انهيار السلطة الفلسطينية إلى القضاء على الجهود الرامية لتحقيق حل الدولتين -وهو استثمار بلغ عشرات المليارات من الدولارات الأمريكية من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على مدى قرابة عقدين- الأمر الذي يبدد تقريبًا فرص الوصول إلى تسوية سلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين في المستقبل المنظور. إلى جانب إمكانية أن يؤدّي أيضًا إلى عزل إسرائيل وإجبارها على التعامل مع الحقائق الديموغرافية الفلسطينية على أساس جديد تمامًا يهدد الطبيعة الديموقراطية واليهودية للدولة. كما يمكن أن ينجم عن ذلك كله انعكاسات سلبية خطيرة على المصالح الأمريكية في المنطقة ودونها. التوصية على الرغم من تردي الوضع العام للسلطة الفلسطينية، فإن انهيارها لا يبدو حتميًا. لكنه سيتطلب تقوية القيادة الفلسطينية في رام الله، وتعزيز السلطة الفلسطينية اقتصاديًّا وسياسيًّا. إلى جانب تهيئة الأرضية المناسبة لعملية تفاوض تتسم بالمصداقية. كما سيتطلب الأمر منكم -الكلام موجه للرئيس أوباما- الضغط على الكونجرس للإفراج عن المساعدات المخصصة للسلطة الفلسطينية، وحث إسرائيل على تسليم كافة عوائد الضرائب، والإصرار على ضرورة التزام الدول المانحة بتعهداتهم المالية المقدمة للسلطة الفلسطينية. كما ستحتاج إسرائيل إلى ما يقنعها بالسماح للفلسطينيين بإقامة المشروعات التنموية في الضفة الغربية في منطقة (س) ووقف النشاط الاستيطاني الجديد. والطلب من وزير خارجيتكم تجهيز مبادرة جديدة لتحقيق حل الدولتين. الخلفية من الممكن أن يؤدي انهيار السلطة الفلسطينية إلى أن يفقد ما يربو على 140 ألف موظف يعملون في القطاع الحكومي لعملهم بشكل فوري، مع الأخذ في الاعتبار أن هؤلاء الموظفين يؤمنون الخبز لحوالى ثلث السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية. ومع ملاحظة أن حوالى 58 ألف رجل من هؤلاء الموظفين يعملون حاليًا في الخدمات الأمنية المختلفة التابعة للسلطة الفلسطينية. ومن الصعب حصر النتائج المترتبة على هذا الوضع. من جهة أخرى، يمكن أن تؤدي هذه البطالة الجماعية، وغياب قوات الشرطة إلى فوضى مدنية فلسطينية واسعة النطاق إلى حد إمكانية الانهيار التام للقانون والنظام في سائر أنحاء الضفة الغربية، بما يؤدي إلى بيئة مواتية للمتطرفين. وبالتالي زيادة احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة و/ أو إعادة احتلال إسرائيل لكامل أراضي الضفة الغربية، و/ أو سيطرة العناصر المتشددة والمارقة على المراكز السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية. وذلك إلى جانب إنهاء ما يقرب من 20 عامًا من التنسيق الأمني مع إسرائيل، وما يمكن أن ينجم عن ذلك من ظهور عشرات الآلاف من الموظفين الأمنيين الفلسطينيين العاطلين والمحبطين والمسلحين والمدربين جيدًا بما يشكل في المحصلة مجموعة كاملة من التحديات الأمنية لإسرائيل. • سيطرة «حماس»: من الواضح أن «حماس» هي المستفيد الأكبر من انهيار السلطة الفلسطينية، • قيادات محلية عشوائية: في أي من الحالتين، كلما طال أمد الشكوك وعدم الاستقرار (أو الوضع السيئ والعنف والفوضى)، كلما علت أصوات العرب والفلسطينيين والأوروبيين وغيرهم ممن يؤيدون تولي إسرائيل، باعتبارها القوة المحتلة، مسؤولياتها بموجب القانون الإنساني الدولي في حفظ الأمن والنظام وحكم السكان الفلسطينيين. ولذا ينبغي أن يكون الهدف الحالي للولايات المتحدة القيام بكل ما هو ممكن للحيلولة دون حدوث ذلك من خلال: • إعطاء الأولوية لعدم حدوث انهيار مالي للسلطة الفلسطينية من خلال حث الدول المانحة، • هذا الحل فقط قصير الأمد ولا يمكن أن ينجح دون إجراءات اقتصادية وسياسية موازية. • من المستحيل العمل على استمرار تدفق التبرعات أو تحقيق تنمية مستدامة على الأرض دون تحقيق تقدم ملحوظ ومواز على المستوى السياسي، التقليل من الآثار الجانبية إذا ما فشلت هذه الجهود وانهارت السلطة الفلسطينية أو حلت من جانب محمود عباس، فسيكون لزامًا عليك -أي على الرئيس أوباما- التحرك بسرعة بالتنسيق مع إسرائيل والأردن، لمنع سقوط مدن وبلدات الضفة الغربية في هاوية الفوضى واحتواء أي اندلاع لمظاهر العنف في الضفة الغربية أو قطاع غزة. في الوقت ذاته، يمكن أن يصبح لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل مصلحة جوهرية في منع القضاء التام على «فتح» من جهة ومنع استيلاء حماس على الضفة الغربية من جهة أخرى. وهو ما سيتطلب التشاور مع الإسرائيليين لاحتواء رد فعلهم العسكري على أي اضطراب والحيلولة دون تسبب رد الفعل هذا في تفاقم العنف. كما أن الأمر سيتطلب العمل مع أطراف الحوار الفلسطينيين الجديرين بالثقة (بشكل مباشر أو عبر أطراف أخرى) القادرين على فرض بعض إجراءات السيطرة على الأرض -المقصود تحديدًا «فتح» و»حماس»- وحيث إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتحدث بشكل مباشر مع «حماس»، فإنه يمكن أن يتم ذلك عبر قيادة موحدة مثل منظمة التحرير الفلسطينية التي يمكن (نظريًا على الأقل) أن تظل موجودة رغم انهيار السلطة الفلسطينية. غنى عن القول، أن ذلك سيتطلب من الولايات التخلي عن معارضتها للمصالحة الفلسطينية وتشجيع إسرائيل على القيام بالمثل. وإضافة إلى ذلك، فإنه إذا أردنا أن نقنع «حماس» بالعدول عن السيطرة (أو حتى محاولة السيطرة) على السلطة في الضفة الغربية، فسوف تكون هناك حاجة إلى تعويضها مقابل ذلك. وهو ما قد يتطلب نوعًا ما من اتفاق شراكة في السلطة في منظمة التحرير الفلسطينية ذات هيكل وتشكيل جديدين، إضافة إلى العمل مع مصر وغيرها من الشركاء الإقليميين مثل قطر وتركيا لإقناع «حماس» بالمضي قدمًا في هذا المسار. هناك بالطبع مخاطر عديدة مرتبطة بالتعامل مع «حماس» بهذه الطريقة، منها إضفاء الشرعية على منظمة إرهابية يدعو ميثاقها إلى تدمير إسرائيل، إضافة إلى إمكانية إثارة رد فعل عنيف من جانب الكونجرس (إلى جانب معارضة حكومة إسرائيل). لكن، وبالرغم من ذلك، يمكن أن تصبح محاولة تجاهل أو تهميش «حماس» أكثر خطورة وأكبر تكلفة، وبما يشجعها على أن تصبح أكثر عدوانية في كل من الضفة الغربية وغزة. وبالرغم من أن حماس يمكن أن تدفع ثمنًا باهظًا في أي مواجهة مع إسرائيل، فإن ذلك سيكلف إسرائيل أيضًا ثمنًا باهظًا سواءً على الجانب الإنساني أو السياسي. إن أي مرحلة من العنف المتزايد بين الإسرائيليين والفلسطينيين سيعرض إسرائيل إلى مزيد من الازدراء والعزلة على المستوى الدولي إضافة إلى تنامي الدعوات لإسرائيل للاضطلاع بمسئولياتها بموجب القانون الدولي في ذات الوقت الذي تبدد فيه ما تبقى من آمال للتوصل إلى حل الدولتين.
مشاركة :