تعرضت السوق المالية السعودية لأحد أكبر خسائرها خلال الأعوام الأخيرة، ومضت منهزمة لليوم الثامن على التوالي الذي أغلقت عليه أمس الثلاثاء، بالخسارة هي الأكبر بنحو 7.27 في المائة، وإذا ما مضت تطورات السوق بصورتها الراهنة، فإنّها تتجه إلى تسجيل أكبر خسارةٍ أسبوعية من مطلع آذار (مارس) 2011، علماً أنّه سيكون الأسبوع الخامس على التوالي الذي تسجل خلاله السوق خسارة في أدائها، كما ستكون خسارتها الأكبر المسجلة للشهر الرابع على التوالي، وصلت حتى إغلاق أمس إلى 15.0 في المائة، وإلى 14.1 في المائة منذ مطلع العام الجاري، علما أنها إذا ما أغلقت تعاملات الشهر الأخير من العام الجاري عند هذه المستويات من الخسائر الفادحة، فإنها ستكون الخسارة الشهرية الأكبر للسوق المالية منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2008، الشهر الذي شهد تداعيات الأزمة المالية العالمية آنذاك. وتقدر الخسائر الرأسمالية التي تكبدتها السوق المالية السعودية منذ نهاية آب (أغسطس) الماضي بنحو 766.4 مليار ريال 34.0 في المائة القيمة الرأسمالية للسوق السعودية)، فيما بلغت الخسائر الرأسمالية ليوم أمس فقط نحو 111.2 مليار ريال. ورغم أن السوق المالية السعودية دخلت في موجة هابطة قاسية خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أنها الموجة من التراجعات التي بدأت تشهدها السوق منذ نهاية آب (أغسطس) الماضي، متأثرة بقوة بالتراجعات التي شهدتها أسواق النفط العالمية، التي وصلت نسبة تراجعها منذ منتصف حزيران (يونيو) الماضي إلى أمس نحو 48.0 في المائة! قد تفسر تلك الخسائر الفادحة للسوق المالية على أنها ترجمة فورية للتراجعات الحادة في أسواق النفط، وهو أمر يمكن قبوله إلى حدود معينة، لكنه لا يجب أن يخفي الكثير من التشوهات التي تعج بها السوق المالية من غياب للشفافية بالدرجة الأولى، المتمثلة بالمنظومة المتكاملة من المعلومات المفترض صدروها من قبل (وزارة المالية "الصناديق الحكومية"، مؤسسة النقد العربي السعودي "حجم التمويل للمحافظ"، هيئة السوق المالية وتداول "طبيعة التداولات وتفاصيلها حسب المحافظ الاستثمارية")، ومن غياب لتأثير الاستثمارات المؤسساتية ممثلة في الصناديق الاستثمارية التي لا تتجاوز قوتها النسبية في السوق سقف الـ 1.3 في المائة، شكلت مجتمعة أثقالا بالغة الأثر في خفض درجة كفاءة السوق المالية، ما جعلها عرضة مكشوفة الصدر أمام مختلف التداعيات السلبية المحتملة، سواء لأية متغيرات محلية أو متغيرات آتية من خارج الحدود. كل هذا أسهم في الضغط على تعاملات السوق، وقبلها على ثقة المتعاملين فيها، عدا عمليات التسييل التي أفرطت المصارف المحلية من قبل في منحها للمتعاملين، ولاحقا في عمليات البيع الجائر الذي شهدته السوق المالية بصورة أقوى خلال الأسبوع الجاري. لهذا فمن الطبيعي جدا أن نرى السوق المالية تتهاوى بهذه الصورة المروعة، وهي الصورة التي مضت فيها بقية أسواق منطقة الخليج العربي، التي ليست ببعيدة عن الأرضية التي تقف عليها السوق المالية السعودية. وفق السيناريو أعلاه؛ يمكن القول إن العامل المسيطر في الوقت الراهن هو تحركات سعر النفط، فبيده زمام الأمور الآن! ومؤدى هذا القول أو التصور، أن مزيدا من التراجع المحتمل في أسعار النفط، يعني مزيدا من التراجعات على أداء السوق المالية، وأرجو أن أكون غير مصيب في هذا التوقع أو الاستنتاج الذي نشهد جميعا وقائعه مترجمة فعليا على أرض الواقع!رغم تحسن المؤشرات الأساسية للسوق مع كل هبوط وانخفاض للمؤشر العام ومستويات الأسعار السوقية للأصول المدرجة في السوق، وذلك حسبما تبينه البيانات المرفقة والرسوم الإيضاحية مع التقرير، إلا أنها دون أدنى شك ستختفي أمام الصورة الظاهرة الآن، الصورة التي ترسمها السوق ويغذي ألوانها المتحدة حول اللون الأحمر فقدان الثقة التامة من قبل المتعاملين، ولن يستطيع أو يجرؤ على اقتناصها في الوقت الصعب الراهن إلا المستثمر الذكي، وصاحب الرؤية البعيدة المدى، وهو ما يندر وجوده في مثل أوقات هذه الأزمات المعقدة التي تتعرض لها الأسواق المالية حول العالم، كل سوق حسب الركائز التي تقوم عليها، والعوامل التي تتحكم في أدائها وتوجهاتها المستقبلية. لهذا ليس من نصيحة مثالية يمكن توصيفها هنا أمام المستثمر أو المتعامل، خاصة الذي يستودع أغلب سيولته في السوق، إلا أن يعيد فحص مراكز محفظته الاستثمارية، ويتأكد من بنائها على أساس أداء الشركات ذات العوائد والتوزيعات الربحية المنتظمة، التي لا شك أنها اليوم رغم الخسائر التي تعرضت لها لأسباب لا علاقة لها بعديد من مظاهر فوضى تسييل المحافظ الاستثمارية حولها، ولا بالمخاطر المحتملة جراء انخفاض أسعار النفط، أؤكد على القول إن إعادة النظر والتقييم في المراكز الاستثمارية تلك، ومحاولة اقتناص فرص شراء أسهم تلك الشركات بالأسعار السوقية المتدنية التي وصلت إليها، وارتفاع جاذبتيها الاستثمارية مقارنة بغيرها من الأصول الأخرى، وهي الفرص التي قد لا تتكرر في المنظور الزمني القريب. وهذه طبعا ليست توصية بشراء أسهم بعينها أو خلافه، بقدر ما أنها محاولة لإيضاح جزء من الصورة التي غابت عن الكثير من المستثمرين، سائلا الله العلي القدير أن يكون في عون المتعاملين داخل السوق خلال هذه الأيام، وأن يعوضهم خسائرهم الفادحة التي لحقت بهم. @AbAmri
مشاركة :