الأفغان يترقبون مغادرة أمريكا بمزيج من التشاؤم والشك والأمل

  • 12/17/2014
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

في الثاني عشر من شهر أيلول (سبتمبر) من عام 2001، ذهب عبدالرشيد إلى بيت صديق له في كابول، أصبح بيته مشهورا بين الجيران بوجود تلفزيون يستقبل إرسال الأقمار الصناعية، وهو أمر نادر في ذلك الحين. كان عبدالرشيد البالغ 23 عاما في ذلك الحين، يجلس هناك يحتسي كوبا من الشاي، عندما رأى لأول مرة صور برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وهما ينهاران في اليوم السابق. وبعد انتهائه من شرب الشاي خرج متجها إلى بيته وقلبه مثقل بالهموم. ويتذكر أنه كان يقول لنفسه، إن قتل الناس الأبرياء المدنيين ليس من الإسلام في شيء. لم يكن عبدالرشيد يعرف في ذلك الوقت كم سيكون تأثير تلك الأحداث التي جرت بعيدا عن بيته مسافة آلاف الكيلومترات، عميقا على حياته وحياة الملايين من بني جلدته في أفغانستان. بعد أن أغلق حلف الناتو مركز قيادة المساعدة الأمنية الدولية المشتركة في الأسبوع الماضي، أصبح الأفغان يتأملون بعمق التدخل الأجنبي في بلادهم مع مزيج من الحنين والتذمر واللا مبالاة، وهو التدخل الذي تبع هجمات 11/ 9/ 2001 على نيويورك وواشنطن. أدى ذلك الصراع إلى مقتل 3484 من القوات المتحالفة، من بينهم 2356 أمريكيا و453 بريطانيا، وكلف نحو تريليون دولار، وأصبح واحدا من أطول الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة، التي تجد القوات الأمريكية صعوبة في الخروج منها. يقدر معهد واطسون للدراسات الدولية التابع لجامعة براون، أن ما لا يقل عن 21 ألفا من المدنيين الأفغان قتلوا في الصراع. والآن أصبح السكان المحليون والأجانب على حد سواء ينظرون إلى المستقبل بمزيج من نذر الشؤم والشك والأمل، ويتساءلون، هل يعود إسلاميو طالبان الذين حكموا أفغانستان في عام 2001 مرة ثانية إلى الحكم، أم هل من الممكن إبقاؤهم على مسافة آمنة من الحكم، مع استمرار الحرب في إحداث القلاقل في المنطقة؟ وهل ستعكس الولايات المتحدة قرارها بالانسحاب من أفغانستان في عام 2016؟ في كانون الثاني (ديسمبر) من عام 2001، أطاحت الولايات المتحدة وحلفاؤها بسرعة بنظام طالبان الذي كان يستضيف أسامة بن لادن وآخرين من قادة القاعدة المسؤولين عن أحداث 11/ 9. وبعد مرور ثلاث سنوات، قام هؤلاء بتنصيب حامد كرزاي رئيسا للبلاد، ثم غرسوا ديمقراطية على الطراز الغربي في تربة غير مجدية تسودها سياسات أفغانية قبلية، ثم شرعوا في محاولات لتحديث اقتصاد ومجتمع البلاد. وبعد ذلك بدأت ملايين الفتيات، اللواتي حرمن من التعليم تحت حكم المتطرفين والمتزمتين من رجال طالبان، بالذهاب إلى المدارس. ثم انتشرت بين الأيدي هواتف الجوال ومنافذ الوصول إلى الوسائط الإعلامية. ثم بدأ الاقتصاد الضعيف البائس في النمو بمعدلات زادت على 10 في المائة – وكان أهم سبب في ذلك جزئيا هو ازدهار تجارة الأفيون. ضربة استراتيجية على الرغم من التقدم الذي أُحرز في البداية، إلا أنه يجب اعتبار ما حدث في السنوات القليلة الماضية عملية فاشلة. إذ بعد أن بدأ الناتو بتخفيض وجوده الذي بلغت "فورته" بوصول عدد قواته إلى 140 ألف فرد في عام 2009 - يوجد الآن 13 ألف جندي فقط – عادت طالبان بكامل قوتها، ولم يكن ذلك فقط في المناطق الريفية، حيث تجد سهولة في عملها. فقد عانت العاصمة خلال 16 يوما من أيام تشرين الثاني (نوفمبر) من 12 هجوما رئيسا شنها مسلحو طالبان. وأسفرت سلسلة من الهجمات شنتها هذه الحركة يومي الجمعة والسبت الماضيين عن سقوط ما لا يقل عن 21 قتيلا، منهم 12 عضوا من فريق تفكيك الألغام الأرضية في مقاطعة هيلمند وجنديان آخران من القوات المتحالفة بالقرب من القاعدة الجوية، باجرام. تقول سارا شايز، المستشارة السابقة في البنتاجون التي عاشت في أفغانستان عقدا من الزمان وهي تعمل الآن في مؤسسة كارنيجي الوقفية في واشنطن، "لا تزال الحرب دائرة في أفغانستان". وتضيف: "لم تنته هذه الحرب بعد. ومن المبكر جدا القول ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستحقق أي نجاح في الحد من الفساد، وهو أحد الأسباب الرئيسة في عدم الاستقرار في أفغانستان. ويبين لنا العراق كيف يمكن أن يكون رد الفعل العنيف ضد حكومة متعسفة وفاسدة". ويظهر أن أشرف غني، الرئيس الجديد، أكثر حيوية وفاعلية من سابقه كرازاي. وقد اختار غني غريمه عبدالله عبدالله، وسط اتهامات بالتلاعب في نتائج الانتخابات وتزويرها، ليكون رئيسا للوزراء بحكم الأمر الواقع بعد أن أبرما صفقة سلام بينهما تحت رعاية الولايات المتحدة، لكن الجدل حول انتخابه آخر لتشكيل مجلس الوزراء. وتقول مجموعة الأزمات الدولية في تقرير لها، إن غني يواجه تحديات صعبة أخرى، تتمثل في وراثته حكومة تفتقر للمال وتخسر أراضي أمام ثورة متصاعدة تجتاح البلاد. الافتقار للأمن منتشر، وحتى بعد توفره لا يزال كثير من الأفغان يعيشون في ظروف ما قبل وصول قوات الناتو. وقد نجح عبد الرشيد، الذي كان بلا عمل أيام حكم طالبان، في البقاء في عمل بعد أن وجد عملا في واحدة من المنظمات الأجنبية غير الحكومية الكثيرة التي أسست نفسها في أفغانستان بعد عام 2001. يقول، وهو يتنقل في جولات حول مقاولين أجانب يعملون في مشاريع البناء، "أنا لا أعرف إلى متى سأبقى محظوظا بالبقاء في هذا العمل". ليس كل واحد قلق من الوضع. يقول جميل أحمد، رجل الأعمال الذي يعمل في مزار الشريف، المدينة الواقعة شمالي البلاد التي يعمها سلام نسبي، إنه لم يعد يوجد عذر لطالبان لكي ترفض المشاركة في محادثات، في حال رحيل القوات المتحالفة – وكانت هناك محاولات متفرقة أجرتها الحكومتان الأفغانية والأمريكية في هذا الاتجاه. يقول أمان الله الذي يملك حانوتا تحيط به براميل الزيت النباتي وأكياس الأرز، والبالغ من العمر 32 عاما، إن حياته لا تزال نفسها مثلما كانت دائما. ويضيف، "بالنسبة للناس العاديين من أمثالي، لم تأت الـ 13 عاما الماضية بأي تغيير. التغيير ربما حدث لأولئك الذين عملوا لحساب الأجانب، أو نجحوا في العمل مع الحكومة. أما بالنسبة لي فكل شيء هو نفسه". وبالنسبة للأمريكيين، فهو يسمع الكثير من الشائعات ونظريات المؤامرة - مفادها أنهم يمولون سرا طالبان، أو يستخدمون النساء الأفغانيات جواري للجنس - وهو لا يعرف ماذا يصدق؟ ويقول، "سأكون سعيدا إذا غادروا، لكني لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك". الدعم الأجنبي في الأماكن الأقرب للنزاع في الجنوب والشرق، هناك قلق شديد جدا. فقد أصبح لزاما على محمد حضرة جنان، العضو في المجلس الإقليمي التابع لمنطقة وارداك، أن يعيش في المدينة الأكثر أمانا من الناحية النسبية، كابول. وهو يقول، "إذا غادر الأجانب فسيكون الدمار مصير كل شيء، وستزداد البطالة، وستسوء حالة الأمن وتتوقف الرعاية الصحية". ويضيف، "نحن نملك الآن أبراج اتصالات للهاتف الجوال، وأصبحت لدينا طرق. نحن نمتلك كل هذا، لكن إذا لم يستمر الأجانب في دعمهم لنا، فسنخسر كل ذلك". إذن، لماذا تسحب الولايات المتحدة وحلفاؤها الجزء الأكبر من قواتها دون الانتهاء من مهمة حماية أفغانستان من طالبان وضمان استقرارها؟ شكك القليل من السياسيين الأمريكيين td الترتيب الأصلي لغزو أفغانستان في أعقاب أحداث 11 /9. ولم تحدث أفغانستان الجدل الذي أحاط بحرب العراق بعد عام 2003. وحتى مع ذلك، فقد توتر الرأي العام حول ما أصبح صراعا مطولا. وأظهر استطلاع أجراه مركز بيو في وقت سابق من هذا العام أن الأمريكيين لديهم وجهة نظر للنتائج في أفغانستان مماثلة لتلك التي في العراق، إذ يرى 52 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أن كلا الحربين فشلتا في تحقيق أهدافها. وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة جالوب في شباط (فبراير) أنه للمرة الأولى منذ عام 2001 كان عدد الأمريكيين الذين قالوا إن الحرب الأفغانية كانت خطأ تجاوز أولئك الذين يؤيدونها. وأضاف انهيار الدعم الشعبي للحرب إلى التشكك الأوسع حول التدخلات الأمريكية في البلدان الأجنبية. وهذا ما يجعل الإدارة أمام معضلة حساسة حول خطواتها المقبلة في أفغانستان. على الصعيد الأمني، يواجه أوباما مشكلة مماثلة لانسحاب القوات من العراق في عام 2011. وبإعلانه في وقت سابق من هذا العام أن جميع القوات الأمريكية ستنسحب من أفغانستان في عام 2016، يأمل الرئيس في إضافة انتهاء الحرب الأفغانية لإرثه. لكن سقوط الموصل وصعود المتشددين الإسلاميين في العراق أثار تساؤلات كبيرة حول الحكمة من الانسحاب من بغداد، في حين تفاقمت المخاوف من أن شيئا من هذا القبيل يمكن أن يحدث في أفغانستان بعد 2016 بسبب التقارير الأخيرة حول تقدم طالبان. ووسع أوباما المهمة بهدوء لتصل إلى عشرة آلاف جندي سيبقون في أفغانستان في عام 2015، مع السماح لهم بالانخراط مع مقاتلي طالبان - وليس فقط مع تنظيم القاعدة كما كان مقررا في البداية. كما أنه أيضا يتعرض لضغوط للحفاظ على نوع من القوة في البلاد بعد الموعد النهائي لوجود القوات في 2016. تشاك هيجل، وزير الدفاع الأمريكي المستقيل، يقول، إن البيئة السياسية التي تواجه الولايات المتحدة في أفغانستان تعتبر مختلفة جدا عن تلك التي في العراق في عام 2011. وقال في أوائل كانون الأول (ديسمبر) خلال زيارة لكابول "الأفغان يريدوننا هنا. إنهم يريدون منا مساعدتهم وتقديم المشورة والتدريب". وأضاف، "الطريقة التي تركنا فيها العراق كانت مختلفة تماما". مكاسب تستحق المحافظة وفي واشنطن هناك وجهة نظر قوية حول أن الحرب أنتجت مكاسب كبيرة لأفغانستان، ابتداء من انخفاض معدل وفيات الرضع إلى تعليم الفتيات. ويحذر كارل ليفين، وهو ديمقراطي من ميشيغان ورئيس لجنة القوات المسلحة المنتهية ولايته في مجلس الشيوخ، قائلا، "إذا استمر الجمهور في الاعتقاد بأن أفغانستان تعد قضية خاسرة، إذن فإنها قد تصبح نبوءة تحقق ذاتها بذاتها". وتقول ليزا كيرتس، من هيرتيدج، وهي مؤسسة فكرية محافظة، "أفغانستان ليست قضية خاسرة"، مجادلة بأن القوات المسلحة الأفغانية البالغ قوامها 352 ألف مقاتل ستستمر في الحاجة إلى تمويل يراوح بين أربعة وستة مليارات دولار سنويا لمساعدتها على منع طالبان من التقدم. وتقول، "ليس هناك سبب يجعلنا لا نبقي على عشرة آلاف جندي في أفغانستان إلى أجل غير مسمى. لدينا 30 ألف جندي في كوريا". وأضافت: "أستطيع أن أرى بالتأكيد استعادة طالبان السيطرة خلال سنتين إلى ثلاث سنوات إذا فككنا الارتباط". وفي أفغانستان، حتى أولئك الذين يريدون أن يروا القوات المتحالفة وهي تدير ظهرها يعرفون أنهم بحاجة إلى المساعدات الخارجية من أجل البقاء واستعادة السلام. وليس لدى أفغانستان، غير الساحلية، أي صادرات باستثناء الأفيون وكميات صغيرة من الفاكهة والزبيب ومنتجات الحرف اليدوية، وستعتمد على دعم مقداره 16 مليار دولار تعهدت به جهات مانحة في مؤتمر لندن هذا الشهر للسنوات الأربع الممتدة من 2012 إلى 2016. سعد محسني، الرئيس التنفيذي لمجموعة موبي، التي تملك تولو، أكبر شبكة تلفزيون في البلاد، يشير إلى أن توفير المزيد من المساعدة يعد أمرا ضروريا، لكنه يتحدث بنغمة متفائلة ويقول، "لقد شهدنا تغيرات هائلة في البلاد". ويضيف، "يرفض السكان الشباب الطموحين قبول عودة ظهور حركة طالبان. يحتاج العالم إلى الإصرار على الإنجاز، على اعتبار أن النجاح في أفغانستان أن يضع سابقة مهمة لبقية المنطقة". هارون مير، وهو محلل مقره في كابول، يعتقد أن حلف شمال الأطلسي لم يعد مرحبا بوجوده ويأخذ موقفا أكثر قوة، قائلا، "لا يمكننا الاعتماد على الأجانب إلى الأبد. لقد حان الوقت أن يتركوا الدفاع عن أفغانستان للأفغان". وأضاف، "حقيقة أن لدينا قوة أمنية قادرة على الوقوف على أرضها ضد طالبان هو أعظم إنجاز في العقد الماضي". أحد عناصر تركة الإطاحة بحركة طالبان من كابول في عام 2001 هو إحياء الأنشطة الترفيهية والدراما، بما في ذلك المسرحيات التي تكون بمثابة تعليق على حالة الأمة. الإنتاج الذي جرى في الفترة الأخيرة لمسرحية هنريك إبسن "عدو الشعب"، التي تحذر من مخاطر الحكومة السيئة والفساد، ظهر فيها ممثل يشبه كرزاي. وقال حسين زادة، الذي أنتج المسرحية: "إن أفضل مسرح سيعكس دائما المجتمع الذي يأتي منه". وأضاف، "لكن في العام المقبل، أرجو أن أعرض مسرحية خفيفة، مسرحية كوميدية. أفكر في إنتاج إحدى مسرحيات موليير". اللحظات الخفيفة تعد أمورا نادرة الوقوع بالنسبة للعديد من الأفغان. عبد الرشيد – الذي تزوج وأصبح لديه خمسة أطفال أرسلهم جميعا إلى المدرسة اعتمادا على قوة وظيفته سائقا براتب جيد بعد عام 2001 - شهد بلدته كابول وهي تتحول. فعلى مدى بضع سنوات حل السلام والازدهار مكان العنف من الحرب الأهلية وحكم طالبان المتقشف. بعد ثلاثة عقود من العنف والخوف والتاريخ الأطول لعدم رغبة أفغانستان في الانخراط في "اللعبة الكبرى" بين القوى العظمى في آسيا الوسطى، يعتقد بأنها قد تصبح "دولة طبيعية أخرى". حتى الآن، لم يحدث ذلك.

مشاركة :