تبحر رواية «عذبي» بالقارئ فوق كثبان الرمل الساخن، ليسير على أثرها، تجذبه أحداث عايشتها أجيال ثلاثة؛ الجد، والابن، والحفيد، في متن حكائي يشبه في أسطرته أسطورة الصحراء نفسها، ويشبه في قوته حياة ساكنيها، وينجذب القارئ لجماليات السرد وروعة أسلوبه الذي طعمه الكاتب سعود بن سعد بفواصل من تاريخ الخليج العربي في محطتين هما الأهم في هذا التاريخ؛ ما قبل النفط وما بعده. وفي ما يشبه إسقاط للحدود بين عالم الرواية والواقع، وبين داخل النص وخارجه، ينتقل القارئ بخفة ما بين سطور الرواية وما بين أحداث التاريخ وكأنه يتأرجح بمتعة بين عالمين متباعدين في بعض مفاصلهما ومتقاربين في مفاصل أخرى. جاءت الرواية وفق بنية سردية محكمة أشبه بالقصة داخل القصة، لتؤكد مقولاتها من أن «الحب هو دواء الروح والجسد»، وهي الثيمة التي شكلت حبل الوصل بين ما عاشه كل من الجد والابن والحفيد من أحداث، وكأن التاريخ الشخصي لكل منهم يستقي من الآخر ويعدّ امتداداً له. وكأن أيضاً هذا الكون المترابط، كما يكتشف الحفيد في النهاية «يضعنا دوماً في مواجهة حادّة مع ما نظنّ أنّنا نفهمه أو نستوعبه وندركه، ليقول لنا بكلّ بساطة، أنتم تجهلون أضعاف ما تعلمون». ويستحضر الحفيد طيف كافكا، ويجد أن هناك الكثير من التقاطعات بين حياتيهما، حيث عانى كافكا كما عانى الحفيد، في مجتمع سقاه الخيباتِ المتلاحقة بعد أن أصيب بمرض السّلّ، وهو ما وسم كتابات كافكا بالتّشاؤم والغرائبيّة، وهو ما جعل الحفيد يعيش مع قراءاته لكتب كافكا وتلمّسه لمفاصل من حياته، أزمات إنسانيّة متلاحقة، وضعته ضمن دائرة سوداء مرعبة ومحكَمة الإغلاق، وجعلته يشعر باللّاجدوى وبعبثيّة الوجود. ينتصر الحفيد في النهاية للحياة، ويعود إلى الصحراء، موطن أجداده، مدركاً أن الحياة تتغيَّر باستمرار، تهبط وتصعد، تعلو كبرج مهيب أو تهبط كحجر يستقرّ في قاع، وأنّ تلك الأوراح التي أخبره عنها والده هي التي سكنت هذه الأوراق، وبذا فهي خالدة ولا تموت أبداً، بل تظلّ تتَّصل وتتواصل، وأنه بإمكانه في النهاية أن يطلق هذه الأرواح الساكنة من مكمنها ويعيد الحياة إليها من جديد.
مشاركة :