كركوك (العراق) – تظهر على سطح المشهد العراقي قضايا كبرى تخفي وراءها قضايا أخرى لا تقل أهمية، بل يعدّها الخبراء أشد خطورة كونها لا تنشط إلا عندما تكون هناك أزمة تشغل الاهتمام، ما يعني لفت الانتباه عنها، من ذلك الجدل المتجدد حول محافظة كركوك في شمال العراق، والانقسام الداخلي الذي تشهده واحدة من أكثر مدن العراق تنوعا إثنيا، وأيضا أكثرها تعرضا لمحاولات الاستقطاب الخارجي. تُمثل محافظة كركوك نموذجا مصغرا للبلاد بأسرها، من حيث تنوعها العرقي والمذهبي، وغناها بالنفط الذي يُسيّل لعاب مختلف القوى السياسية التي تتصارع على النفوذ. ويقول مراقبون إن كركوك كانت مدينة عراقية حتى عام 2003، وسلبت عراقيتها من قبل النوازع القومية والطائفية، وآخر ما يمكن التفكير فيه اليوم هو عراقيتها، وفيما تدفع تركيا من جهة نحو ترسيخ صورة الترويج لكركوك “التركمانية”، تسعى إيران للسيطرة عليها عبر سيطرتها على بغداد، وذلك للاستفادة من مصافيها النفطية، وتظهر من جهة ثالثة الأزمة مع إقليم كردستان العراق، الذي خسر المدينة إثر حملة. وكانت قوات الحكومة العراقية انتزعت السيطرة على مدينة كركوك التي كانت خاضعة لسيطرة الأكراد في حملة عسكرية مفاجئة قامت بها الحكومة المركزية في بغداد. وساهمت إيران، بالتخطيط والتأييد والتنسيق، في الهجوم الذي شنه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 16 أكتوبر 2017 لاستعادة السيطرة على المناطق التي تقودها السلطات الكردية بما في ذلك كركوك. ومنذ ذلك التاريخ، تجتاح المحافظة موجة من الاحتقان الداخلي بين مختلف الأقليات، تغذيه أطراف خارجية، من ذلك التجييش الذي تقوم به تركيا في صفوف التركمان، الذين يشعرون بالتهميش وبأن اللعبة الجائرة حرمتهم حتى من مقاييس التوزيع الطائفي للشراكة في الحكم. محافظة كركوك تمثل نموذجا مصغرا للبلاد بأسرها من حيث تنوعها العرقي والمذهبي وغناها بالنفط الذي يسيل لعاب مختلف القوى السياسية التي تتصارع على النفوذ وتشير تقارير إلى أن جهات مدعومة من إيران، تحاول السيطرة على كركوك باستخدام المشاعر التركمانية السلبية ضد الأكراد، وبالمثل تعمل تركيا على استقطاب التركمان من خلال دعم قيادات ومسؤولين تركمان في كركوك، وأيضا من خلال وسائل الإعلام التركية التي تسلط الضوء على ما يتعرض له التركمان في كركوك دون غيرهم، من ذلك تقرير نشرته وكالة أنباء الأناضول يغذي الإحساس بالمظلومية. يقول التقرير إنه منذ استعادة الحكومة المركزية في بغداد سيطرتها على كركوك، اجتاحت المدينة تفجيرات واغتيالات نال المكون التركماني منها النصيب الأكبر، حيث استهدفت الاغتيالات سياسيين وأكاديميين، بالإضافة إلى شخصيات اجتماعية تركمانية مرموقة، كان الفاعل فيها جميعا، مجهولا. ويضيف أنه في هذا الصراع الخفي على المدينة، كان النسيج الأوسع للمحافظة من التركمان هم أكبر المتضررين، فقبل 4 أيام شهدت المحافظة في وقت متزامن 6 هجمات استهدفت التركمان، تسببت في مقتل 3 أشخاص وإصابة أكثر من 10 آخرين. ولا ينفي المتابعون أن التركمان، الذين ينقسمون مذهبيا بين الطائفتين الشيعية والسنية، تعرضوا إلى تضييق ويواجهون صعوبات شأنهم في ذلك شأن بقية مكونات المجتمع العراقي. وانتقدوا محاولات التمييز والتفريق بين أهالي واحدة من أكثر مدن العراق تناغما بين مكوناتها المجتمعية. ويعتبر التركمان ثالث أكبر قومية في العراق بعد العرب والأكراد، وينتشرون في أرجاء البلاد، لكن يتركز وجودهم في كركوك، فضلا عن قضاء تلعفر غربي الموصل. وحديث أنقرة عن “تركية” كركوك ليس بالأمر الجديد، فسبق وأن صدر عن المسؤولين الأتراك بدءا من الرئيس رجب طيب أردوغان مزاعم، في قمة الحرب ضد تنظيم داعش، حول أن “مدينة الموصل ومدينة كركوك العراقيتين كانتا تابعتين لتركيا”، كما قال نائب رئيس الوزراء التركي هاكان جاوش أوغلو، في مارس 2018، إن “كركوك تاريخيا مدينة تركمانية، فليقولوا ما يقولون، وأشقاؤنا التركمان خط أحمر بالنسبة لنا”. وجاءت هذه الكلمة، وفق تقارير تركية، خلال حفل بأحد الفنادق في أنقرة، للتعريف بفيلم وثائقي حول التركمان، أنتجته قناة ‘تركمن إيلي’ الفضائية، التي تبث من كركوك. تجلى الصراع على النفوذ خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 مايو الماضي، فبعد فرز الأصوات نزل التركمان إلى الشوارع؛ احتجاجا على عمليات تزوير، واحتساب أصواتهم لصالح حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”. وأطلق على المظاهرات التي نظّمها التركمان في المدينة، اسم “الثورة الزرقاء”، واستمرت قرابة شهر، ولاقت دعما من السكان العرب في المدينة. وبحسب مصادر محلية، عقدت بعض الأحزاب الشيعية المقربة من إيران، لقاءات مع أحزاب كردية، تم خلالها طرح عودة قوات البيشمركة إلى مدينة كركوك من خلال الانتشار في نقاط محددة. وعودة البيشمركة إلى المدينة ستكون مقابل دعم حزبي الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني للحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها في بغداد. ويدفع هذا الوضع، إن صح وقوعه، العرب والتركمان في المدينة للمزيد من القلق، فالوضع الأمني المتدهور في المدينة ربما يمتد باتجاه “صراع عرقي” فيها. Thumbnail وتتحدث تقارير عن أن الأحزاب السياسية الكردية تسعى لهيمنة أحادية مجددا. ونقلت الأناضول عن قاسم قازانجي رئيس فرع الجبهة التركمانية العراقية في كركوك، قوله إن “الأطراف السياسية الساعية لفرض هيمنة من جانب واحد على المدينة، هي من تقف وراء التفجيرات التي تستهدف على وجه الخصوص الأحياء السكنية للتركمان في كركوك”. وعن هوية تلك “الأطراف السياسية”، تحدث قازانجي عن الأحزاب السياسية الكردية، في إشارة إلى (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني). واعتبر المسؤول التركماني أن وقوع التفجيرات في الأحياء السكنية التركمانية (بكركوك)، يمثل أبرز مؤشر على أن التركمان هم المستهدفون من هذه التفجيرات. واتهم الأحزاب السياسية الكردية بأنها تسعى لخلق تصوّر بأنه “لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في كركوك دون البيشمركة”. واتهم نائب رئيس المجلس التركماني العراقي، نهاد قوشجو، الأحزاب السياسية الكردية بأنها “تحاول تقويض الاستقرار في كركوك، عقب فرض الجيش العراقي سيطرته”. وأشار قوشجو إلى أن مناطق التركمان في العراق تشهد حربا جغرافية، مضيفا في حديث يتماهى مع خطاب الاستقطاب التركي “يريدون أن يتركوا هذا المجتمع دون أرض عبر استهداف مناطق التركمان”. وقال عضو المجلس العربي في كركوك حاتم الطائي، إن “التفجيرات المتزايدة في الآونة الأخيرة تعد خطوات من أجل عودة الأحزاب السياسية الكردية إلى فترة هيمنتها الأحادية على المدينة”. في المقابل، ردّ برهان سليمان نائب مدير مؤسسة هفال الإعلامية الكردية، بخطاب مشابه لكن في اتجاه التضخيم من الدور الكردي، بقوله إن التفجيرات الإرهابية التي وقعت مؤخرا في كركوك أدت إلى شعور السكان بغياب قوات البيشمركة. واستدرك بالقول “خصوصا المنطقة الجنوبية للمدينة التي تسلل إليها الإرهابيون، ما كان ليحدث ما حدث؛ لو أن البيشمركة موجودة”. وكانت كركوك تدار أمنيا بصورة مشتركة من قبل القوات العراقية والبيشمركة، حتى عام 2014 عند تراجع الجيش العراقي أمام تقدم تنظيم داعش، الذي سيطر على قضاء الحويجة فقط في المحافظة، بينما حالت البيشمركة دون اجتياحه لبقية المناطق.
مشاركة :