هل نجرؤ على تسمية ما أتى به المنتخب الفرنسي من منظومة تكتيكية قادته للتتويج بالنسخة 21 لكأس العالم، بفلسفة لعب مبتكرة تنسخ ما سبقها، أو بفصل جديد من فصول الإبداع في المجال التكتيكي؟ جرت العادة أن نقرن كل نسخة من نسخ المونديال، بجديد يغير خريطة الشاكلات وجوهر المنظومات أو يحدث انقلابا في فلسفة اللعب، إلا أن الذي أوصل المنتخب الفرنسي إلى هدف جرى التخطيط له بدقة متناهية وباحترام كامل للزوميات النجاح، لا يمكن أن نصطلح عليه فلسفة أو حتى تقليعة تكتيكية جديدة، بمقدورها أن تصبح ابتكارا فنيا تنهل كرة القدم العالمية منه أو تنسج على منواله، فالعودة لشاكلة 4-3-3 بكل حمولاتها الفنية، أظهرت المونديال الأخير أنها ما كانت، إلا لكون هذه الشاكلة ولادة، أو لها مساحات كبيرة تسمح للخيال الفني أن يحدث في ربوعها وعلى ضفافها، ما لا عد له من التحويرات والمتغيرات التكتيكية. صحيح أن مونديال 2018، أعلن بشكل رسمي عن الموت الجديد، ولربما سيكون الأخير، لفلسفة «التيكي تاكا» كأسلوب لعب بخصوصيات فنية وتكتيكية، هي ما قاد «الماتادور» الإسباني للظفر لأول مرة في تاريخه بالكأس العالمية قبل ثماني سنوات بجنوب أفريقيا، موت جسده الانسحاب الجماعي من أدوار متقدمة لكأس العالم، لمن أسميناهم بملوك الاستحواذ، إلا أن ما جرى تتويجه خلال كأس العالم الأخيرة، لم يكن فلسفة لعب بالمطلق، ولكنه كان نظاما تكتيكيا تأسس على قواعد تكتيكية وفنية وذهنية جرى الالتزام بها بشكل رائع ويعجز عن كل وصف. لقد أجمع خبراء الكرة العالمية، وبخاصة من يرصد منهم للتحولات الكبرى التي تحدث على مستوى منظومات وفلسفات اللعب، على أن النسخة الأخيرة للمونديال شهدت ثنائية التنظيم الدفاعي والمرتدات السريعة، ثنائية مقرونة بصور مبتكرة لتنفيذ الكرات الثابتة، ومن دون حاجة للاستعانة بالمعطيات والأرقام التي تدل على ذلك، فإن المنتخب الفرنسي تفوق على كل المنتخبات في تجسيد هذا الابتكار التكتيكي، الذي يقوم على وصول الفريق لدرجة عالية من الالتزام الجماعي بالواقعية في الأداء الدفاعي والهجومي، وبالسرعة العالية في عملية الانتقال من الحالة الدفاعية للحالة الهجومية والعكس بالعكس، وبالتركيز الذهني القوي على متغيرات المباريات للسيطرة على كافة تفاصيلها مهما كانت دقيقة، وأخيرا بالتحلي بكثير من الصبر عند مقارعة أسلوب لعب منافس، يقوم على فرضية الامتلاك شبه الكلي للكرة. وبرغم أن الذين يرتبطون عاطفيا بكرة القدم الجميلة، برغم اختلافنا عنهم في تحديد طبيعة هذا الجمال، ساءهم أن يكون المنتخب الفرنسي هو من توج بكأس العالم بأسلوب لعب يقال عنه، أسلوب لعب سمج وغير جذاب، إلا أن واقع الحال يقول إن كثيرا من فلسفات اللعب أو حتى المنظومات التكتيكية من التي قادت بناتها وأصحابها إلى التتويج بكأس العالم، تأسست على الواقعية وكان متعهدوها الفنيون مشبعين بالبرجماتية. والمؤكد أن كل المدارس العالمية التي لها باع كبير في الاجتهاد والخلق على مستوى خطط اللعب، ومن خلال ذلك، لها تقاليد على مستوى التنافس على الألقاب عالمية كانت أم قارية، فتحت بالفعل مختبراتها الفنية لتضع قيد الافتحاص والتشريح المقومات الفنية والتكتيكية والذهنية لأسلوب لعب المنتخب الفرنسي، للعثور على مفاتيحه وللنهل منه وأيضا لفك شفراته حتى لا يبقى ملكية خاصة لديشامب وللديكة.
مشاركة :