قالوا قديماً في الأمثال إن حبل الكذب قصير، وهذا المثل يأخذ بعداً جديداً هذه الأيام في ظل وجود وسائل تقنية عصرية ومذهلة. كمية «الناس» التي تم اكتشاف وإعلان وفضح أكاذيبها بشكل متواصل، تجعل في الموضوع نوعاً من التحدي للجميع؛ سواء أكان المعنيّ سياسياً أم فناناً أم رياضياً أم أي شخصية عامة أخرى. أصبح كل شيء قابلاً للتدقيق. كل المحادثات المرئية والمسموعة والمكتوبة موثقة ومسجلة، ومن الممكن العودة إليها، وكل شيء أصبح، بالتالي، في العلن.العالم يعيش في مرحلة «الفيترينة»؛ كل شيء يعرض على العامة. هناك مواقع على الإنترنت الغاية منها التدقيق لكشف مصداقية ودقة وأمانة البيانات والتصريحات والإحصاءات الرسمية، لمقارنتها مع الواقع الحقيقي، وأصبح، بالتالي، هناك واقع افتراضي موازٍ ومختلق لإيجاد الشكل المقنع للأخبار حتى تصل لغايتها، وهي التأثير على المتلقي وتحريك الرأي العام... وكان الصعود لقناة وبوق نظام الانقلاب في قطر «الجزيرة»، وصوت اليمين في الولايات المتحدة «فوكس نيوز»؛ اللتين (وغيرهما) تقدمان الخبر مشوباً بالرأي المتطرف، وصولاً إلى مواقع على الإنترنت، وقنوات تقوم باختلاق الأخبار من الصفر والعدم حتى تبرر توجهات القائمين عليها، كحال قناة «العالم» الإيرانية، و«المنار» التابعة لتنظيم «حزب الله»، وقناة «الدنيا» التابعة لنظام الأسد، وقناة «المسيرة» التابعة للتنظيم الحوثي في اليمن... أو كثير من المواقع على الإنترنت، التي تم - ولا يزال - فضحها منذ الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وتولد بسبب ذلك خوف وهلع لدى شريحة عريضة من الناس من الجهر برأيهم الحقيقي والصادق خوفاً من القطيع الإلكتروني الذي يهاجم بضراوة وبلا أخلاق ولا مهنية، وعرف الغرب كل ذلك في حالة تعامله الإعلامي الحالي مع توجهات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأيضاً في حالة تعامل الغرب إعلامياً مع فضح حالات التحرش الجنسي بحق العشرات من النساء وذلك في حملة «أنا أيضاً» التي فضحت كثيراً من الحالات لمشاهير كبار في السابق.لذلك هناك، مثلاً، متابعة جادة من قبل حقوقيين وإعلاميين، خصوصاً المعارضين، لسياسة الرئيس ترمب، الذي بنى سمعته ومجده على «صفقات» تعتمد على الصخب الإعلامي، ومشروعاته كافة تؤكد وتشهد بذلك، بل إنه تبنى هذا الخط وهذا الطرح في كتابه الأشهر «فن الصفقة» الذي ألفه في أول طريقه في عالم الأعمال، وفيه يرسم كيف تنجز أهدافك بأقصر الطرق وأقلها تعباً.هل النهج الشخصي الذي اتبعه الرئيس ترمب في حياته الشخصية والعملية قبل أن يصبح رئيساً قابل لأن يستمر في حياته السياسية وهو تحت أعين كمّ مهول، وأعين المعارضين العنيفين، الذين يتفرغون لتصيد أخطائه؟وسط حالات «الكشف»؛ ومن ثم «الاعتذارات الباكية»، للمذنبين يكون كل هذا وسيلة ضغط هائلة على الساسة والشخصيات العامة عموماً. الثمن لكل تلك التعقيدات هو الحقيقة والعدالة التي قد تختفي في أوساط الصراع عليها ما بين فرق تزين الأكاذيب وتجملها، وفرق تسعى لشيطنة الشخصية والإساءة إلى مرتكب الخطأ بدلاً من السعي إلى الحق.«إن من البيان لسحراً»... قيلت قديماً ولا تزال حقيقة حتى هذه اللحظة ولا شك.
مشاركة :