"إني أقيم مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز، لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح، ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة"، قالها توفيق الحكيم للتعبير عن أعماله المسرحية، مُفسرًا صعوبة تجسيد مسرحياته وتمثيلها علي خشبة المسرح.تعد مسرحية "أهل الكهف" من أشهر مسرحيات الحكيم، وقد لاقت نجاحًا كبيرًا فور إصدارها وطبعت مرتين في عامها الأول كما ترجمت إلى الفرنسية والإيطالية والإنجليزية؛ كما افتتح المسرح القومي بها نشاطه المسرحي؛ فكانت أول الـعروض المسرحية عام 1935 بحضور مخرجها الفنان الكبير زكي طليمات، ولكن للأسف كان الفشل حليفها، واصطدم الجميع بذلك حتى الحـكيم نفسه الذي أرجح السبب في ذلك إلى أنها كتبت فكريًا ومخاطبة للذهن ولا يصلح أن تعرض عمليًا. تصور المسرحية صراع الإنسان مع الزمن؛ يتمثل هذا الصراع في ثلاثة من البشر يبعثون إلى الحياة بعد نوم يستغرق أكثر من ثلاثة قرون ليجدوا أنفسهم في زمن غير الزمن الذي عاشوا فيه من قبل، وكانت لكل منهم علاقات وصلات اجتماعية تربطهم بالناس والحياة، تلك العلاقات والصلات التي كان كلًا منهم يرى فيها معنى حياته وجوهرها، وفي حينها وعندما يستيقظون مرة أخرى يسعى كل منهم ليعيش ويجرد هذه العلاقة الحياتية، لكنهم سرعان ما يدركون بأن هذه العلاقات قد انقضت بمضي الزمن؛ الأمر الذي يحملهم على الإحساس بالوحدة والغربة في عالم جديد. وبالرغم من الإنتاج المسرحي الغزير للحكيم، والذي جعله في مقدمة كتاب المسرح العربي فإنه لم يكتب إلا عددًا قليلًا من المسرحيات التي يمكن تمثيلها علي خشبة المسرح ليشاهدها الجمهور، وإنما كانت معظم مسرحياته من النوع الذي يمكن أن يطلق عليه "المسرح الذهني"، الذي كتب ليقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالما من الدلائل والرموز التي يمكن ربطها بالواقع في سهولة ويسر؛ لتساعد في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من الوعي، وهو يحرص على تأكيد تلك الحقيقة في العديد من كتاباته.وقد استعان الحكيم في مسرحيته بالشروح والتفسيرات لهذه الآيات في القرآن الكريم وكأن أهم تفسير استقى من الأحداث هو تفسير الأئِمة الثلاث الطبري والزمخشرى والبيضاوي، كما رجع توفيق الحكيم إلى كتاب "انهيار وسقوط الإمبراطورية الرومانية" لجيبون، وقد حدثت هذه الأحداث أيام الإمبراطور الروماني "دقيانوس" الذي كان يعرف بالاضطهاد وقد هرب كثير منهم من مواجهته، وتذكر الروايات أن عددا من أشراف الروم لجأوا إلى كهف في مدينة طرسوس وهناك ناموا أكثر من ثلاثمائة سنة، وقد اختار الحكيم من بين أشخاص أهل الكهف ثلاث شخصيات ليكونوا أبطال مسرحيته، وهو يعتمد في ذلك على الحرية التي تركها القرآن الكريم له ولغيره في هذا التحديد، واعتمد "الحكيم" في هذه الأسماء علي أخفها على السمع العربي، وهم "مرنوش" الوزير صاحب يمين الملك ويمثل العقل، و"ميشلينيا" الوزير صاحب يسار الملك، ويمثل العاطفة والاندفاع، ثم "يمليخا" الراعي وهو يمثل البساطة، وكلبه "قطمير"، وقد ربطه بالراعي ربطا حياتيًا وأقام بينهما وحدة عاطفية، وجعل له وحدة لها وضعها القائم بذاته، كما وجه له اهتمامًا كبيرًا بما يمكن معه أن يعد إحدى الشخصيات الرئيسية في المسرحية يعيش فيها الصراع النفسي الذي يعيشه أصحاب الكهف في مواجهتهم لعالمهم الجديد.
مشاركة :