من الواضح جداً أن مشروع الملك عبدالله النهضوي، والذي اعتمد بشكل لافت على نشر التعليم الجامعي، وتعزيز قدراته، كان يستهدف تحويل هذه الجامعات التي انتشرت في طول البلاد وعرضها إلى رافعة حقيقية للتنمية الوطنية، على اعتبار أن كل جامعة ستستفيد من الميز النسبية في المنطقة التي تخدمها لصناعة التنمية المستدامة . بحيث تتميز المدن الجامعية التي تقع على السواحل مثلا بكلياتها المتخصصة في علوم البحار، والثروة السمكية وغيرها من النشاطات التي تعتمد عليها تلك المناطق، فيما تتميز جامعات الوسط ذات الطابع الزراعي بكلياتها الزراعية وقضايا الماء والإرشاد الزراعي إلى ما هنالك، وهكذا بالنسبة للنطاقات ذات الطابع المتصل بالثروة المعدنية، ومشاكل البيئة والتصحر .. بحيث تكون كل جامعة إضافة إلى رصيفتها الأخرى، وليست نسخة منها.. غير أن الملاحظ أن الذي حدث منذ نشأة الجامعات الجديدة أن افتتاح الكليات فيها قد تحول إلى عملية استنساخ، ولو أخذنا مثلثا جامعيا صغيرا وفق قياساتنا الجغرافية، كمثلث جامعات الجوف، القصيم، حائل لوجدنا أننا أمام نسخة جامعية مكررة لا يُفرق بينها سوى اسم الجامعة، رغم أنه كان بالإمكان أن تتصدى كل جامعة لنطاق تنموي لها اليد الطولى فيه، وتضيف إلى الجامعات الأخرى لتصنع الفارق . هذه المناطق الثلاث لا يمكن أن تحمل أي هوية تنموية غير الهوية الزراعية، ومع هذا تظل قضية الإرشاد الزراعي فيما يتصل بالتعامل مع أزمة المياه، والمزروعات الأقل استهلاكا، وقضايا التسميد، واستخدام المبيدات الحشرية التي أثقلت كاهل الصحة .. تظل شبه غائبة عن اهتمام جامعاتها إلا في أضيق نطاق . جامعة حائل نافست (فيليكس) وقفزت من قمة أجا إلى أعماق البحر وصنعت غواصة، رغم أنه كان الأجدى بها أن تغوص في صحراء النفود لتكتشف ما يحوي من ثروات يستفيد منها الوطن . وأنا لا أقلل من قيمة ما قدمه أولئك الشباب، لكن كان بالإمكان ولتوفير البيئة الحاضنة لتجربة كتلك أن تبتعثهم إلى جامعة الملك عبدالعزيز، فهل فقدت هذه الجامعات بوصلتها باتجاه التميز ؟ هذا مجرد مثال، أنا لا أطرح قضية خاصة، فجازان يمكن أن تكون سلة فواكه الوطن أو حتى الإقليم لو تشابك المعطى الاقتصادي القائم مع البحث الجامعي المتخصص لاستغلال تلك المقومات بشكل علمي، وكذلك الطائف . إلا أن استنساخ الكليات في كل منطقة، وتكرارها بهذه الصورة، لن يكون من شأنه سوى استنزاف ميزانيات هذه الجامعات على حساب التميز، وتفريغ هذا المشروع العلمي والتنموي والوطني الكبير من مضامينه، وتحييد المدن الجامعية عن ملاقاة مرتكزات نجاحها في بيئتها المحلية، خاصة وأن التركيز على قضايا الشراكات مع جامعات خارج الحدود فقط لأنها تملك اسما أجنبيا له صداه في الآذان، حتى وإن كانت في ذيل قائمة التصنيف العالمي، لن يشكل أي إضافة لها، سوى توفير فرص الانتدابات المتتالية لأطقمها الأكاديمية إلى تلك الدول دون أي عائد علمي أو بحثي يمكن أن يشكل مدماكا قويا للتميز الجامعي ..
مشاركة :