عن الجامعات والبوصلة مرة أخرى - فهد السلمان

  • 9/27/2013
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عارضني أستاذ فاضل على ما كنتُ كتبته في هذه الزاوية في 6/9/2013 م حول الجامعات الناشئة وفقدان البوصلة، ونصحني بتبديل عدسات نظارتي لأرى بوضوح ما قدمته تلك الجامعات، وأنا أشكره مرتين.. مرة على هذه النصيحة المجانية، وأخرى على اعترافه ضمنيا أن منجزات هذه الجامعات من الضآلة والصغر بحيث لا يمكن رؤيتها إلا بالعدسات المكبرة. فهو يرى أنها فتحت الباب لتوظيف العديد من المواطنين، وأنا لا أعرف متى كانت هذه هي الوظيفة الوحيدة للجامعات، التي يُفترض أن تكون خزانات تفكير من خلال البحث العلمي الذي يفتح كل أبواب التنمية لمجتمعاتها، بما يتيح المزيد من المشاريع الإنتاجية التي تحقق معادلة محاربة العطالة، وترقية قيم الإنتاج. أيضا أريد أن أشكره مرة ثالثة لأنه أتاح لي الفرصة لأزيد في توضيح رؤيتي، ومن خلال معايشتي المباشرة كمواطن، فجامعة حائل وأنا أطرحها هنا كمثال ونموذج فقط، ولدت في فترة عصيبة على المستوى الصحي في المنطقة، حيث تعرج الخدمات الصحية فيها على عكازين بين مستشفى متهالك أكل عليه الدهر وشرب، وآخر ينوء بحمل أثقاله وضعف تجهيزه، حتى أنني أعتقد لا بل أجزم أنك لو أتيت بأحد الرعاة من الفلاة في وقت افتتاحها، وسألته: ماذا تعتقد أن تكون أولويات هذه الجامعة؟ لقال لك على الفور: (كلية الطب، والمستشفى الجامعي)، غير أن الجامعة فتحت كلية الطب فعلا، لكنها استبدلت المستشفى الجامعي بفندق خمسة نجوم، وحتى لو افترضنا أن المنطقة تحتاج إلى الفندق وهذا صحيح، فهل ستكون حاجتها إليه أكثر من حاجتها للمستشفى الذي سيخدم المنطقة، ويخدم بنفس الوقت الجامعة ذاتها في تدريس الطب وتطبيقاته العملية، عوضا عن ورطتها في تدريب طلابها في مستشفى هو ذاته يحتاج إلى من يطببه، ويُعالج علله؟ أظن أنه بوسع الناس أن يسكنوا ضيوفهم في منازلهم، أو حتى يضربوا لهم الخيام على ضفاف الأودية، لكن قطعا ليس بوسعهم أن يأخذوا مرضاهم إلى فندق ولو كان من عشرة نجوم إن وجد ليعالجوهم على يد السفرجي أو النادل أو حامل الحقائب. الأولويات لا تُقاس في تقديري بالمد، ولا بالصاع ولا بالشكل، وإنما تقاس بالحاجة، وهذا ما أعنيه بفقدان البوصلة، وهي قضية تشكل الأساس لأي مشروع، فكيف يكون الحال عندما تغيب الرؤية من قبل الجامعات التي وجدت لتكون هي بوصلة التنمية، ومخازن التفكير العلمي والعملي التي تفتح الآفاق، وتعبد الطرق باتجاه المستقبل الذي يريده الجميع، لهذا يكون العتب أكبر، والملامة أضخم، لأن أهمّ مسؤولياتها هي قراءة الواقع، والتفاعل مع محيطها البيئي والاجتماعي، وبناء الخطط والمشاريع البحثية على مقتضاه، وإلا فإننا سنكون كمن يهتم بنظافة الثوب وحسب على حساب البدن.

مشاركة :