«نزوات رؤساء الجمهورية الخامسة»«4»

  • 7/26/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تأليف بياتريس هوشار| ترجمة وإعداد سليمة لبال| يردد كل من اقترب من السلطة الكلام ذاته، والجنرال جان لويس جورجولان يلخص الوضع في جملة واحدة وهي أن «حفلة تنصيب الرئيس هي حفلة النار. يصبح الرئيس رئيساً حقيقياً، حيث يتحلى بشجاعة إعلان عملية عسكرية، ويتحمل أمام الرأي العام مسؤولية مقتل جنوده ومن يقتلون أيضاً في خضم أي معركة».. هكذا كان يقول القائد السابق لأركان الجيش، الذي تولى أيضاً منصب رئيس المكتب العسكري للرئيس جاك شيراك إلى غاية 2006. بعد فترة قصيرة من استلامه مهامه رئيسا للجمهورية، وجد نيكولا ساركوزي نفسه وجهاً لوجه مع قائد الجيش، الذي كان يشرح له المخطط النووي وفي أي مكان يوجد في سرداب الجناح الشرقي من قصر الاليزيه. ففي مركز القيادة جوبيتر، كان قائد الجيش يعطي للرئيس لمحة عن الوضع العسكري للدولة ويشرح له بأن غواصة نووية تقوم بدورية في المحيط محملة بــ16 صاروخاً، وحين سأله الرئيس عن الأهداف المحتملة وعدد القتلى الذين يمكن أن يسقطوا هكذا، أجاب الجنرال جورجولان نيكولا ساركوزي في 2008 «الأهداف هي الدول التي تجمعنا بها علاقات طبيعية». بقي الرئيس صامتاً، خوفاً من طرح أسئلة تبدو ساذجة جداً أو في غير مكانها. ويقول جان بيير جورجولان «لقد فهم بأن الأمر لا يتعلق بأنبوب.. وهذا لا يعني بأننا سنعلن الحرب صباح اليوم التالي، وإنما لدينا الإمكانيات الضرورية لإشعالها.. هذا هو الردع»، ثم توجه إلى الرئيس قائلاً: «الآن لكم الكلمة». العسكرية قبل الرئاسة بعد أن اطلع الرئيس على هذه الشؤون العسكرية عام 2007، ذهب للقاء المانحين الذين ساهموا في تمويل حملته الانتخابية في فندق بريستول، غير بعيد عن الإليزيه وهناك أكثر من استخدام بعض العبارات مثل «أنا القائد، لقد انهيت للتو اجتماعاً سرياً حول الدفاع». حينها أدرك قائد الجيش أن الرئيس فهم الرسالة وأنه أدرك، أنه دخل نادي رؤساء الدول، الذين في مقدورهم أن يعلنوا الحرب، وأنه لم يعد ينتمي إلى الطبقة السياسية. بالنسبة للجنرال ديغول كانت المسؤولية العسكرية أمراً واضحاً: لقد كانت وظيفته هي الحرب، غير أن من خلفه لم تكن لهم خبرة واسعة في المجال العسكري، فالملازم جورج بومبيدو تم تسريحه بعد معركة فرنسا في يونيو 1940، والسارجنت فرانسوا ميتران جرح في 14 مايو 1940 على خط ماجينو وسجن وأما فالير جيسكار ديستان فقد تم تجنيده في 1945 في أول جيش فرنسي بأوامر من الجنرال دي لاتر تاسيني، فيما تطوع جاك شيراك للخدمة في الجزائر، بينما أدى كل من نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، الخدمة العسكرية وقد تم اعفاء فرانسوا هولاند بسبب معاناته من قطر النظر، لكنه أصر على الخدمة مثل زملائه من خريجي المدرسة العليا للإدارة وفق كاتب سيرته الذاتية سيرجي رافي. وأما إيمانويل ماكرون المولود في عام 1977، فقد كان في مقدوره أن يؤدي الخدمة العسكرية لو أصر على ذلك، حيث كان يفترض أن ينتمي إلى آخر «دفعة» قبل إقرار نظام الجيش الاحترافي من قبل جاك شيراك في 1995. أهم يوم في حياة هولاند في الثاني من فبراير عام 2013، أي ثلاثة أسابيع قبل انطلاق عملية «سرفال» التي كانت تهدف إلى إيقاف تقدم الجماعات الجهادية في مالي، انتقل فرانسوا هولاند إلى تومبوكتو، حيث تحدث كقائد مُحرّر «أنا هنا من دون شك لأعيش اليوم الأكثر اهمية في حياته السياسية، وفي 13 يناير 2017 وفي آخر زياراته الى الخارج قبل انتهاء ولايته، عاد الى مالي، ولكنه زار هذه المرة مدينة غاو لتحية الفرق الفرنسية. ويقول الصحافي سولين دي لاروايي في جريدة «لوموند» إن هولاند كان مهوساً لأنه سيترك اثراً في التاريخ، ويضيف «لقد شرع الرئيس في جولة وداع، تفقد خلالها القوات الفرنسية، في أربيل العراقية على بعد 15 كلم من الموصل، وفي غاو المالية، وكانت هذه الجولة فرصة للاليزيه حتى يسوّق انجازات الرئيس، الذي كان مقتنعا بأن العمليتين العسكريتين في الخارج وهما «باركان» في الساحل و«شمال» في الشرق الادنى ناجحتان، حيث كان الرئيس يقول «إنها معركتي وقضيتي». دموع جيسكار في التاسع عشر من مايو من عام 1978 تدخلت الفرقة الاجنبية للمظليين في كولويزي في زائير سابقا (جمهورية الكونغو الديموقراطية حاليا) في اطار عملية عسكرية أعلنها فاليري جيسكار ديستان، في محاولة لتحرير الرهائن الأوروبيين الذي كانوا في قبضة المتمردين الذين ينحدرون من منطقة كاتانغا. كان على العملية أن تبقى سرية الى غاية نهايتها حتى لا تتدهور الاوضاع، وفي كتابه «السلطة والحياة» يروي فاليري جيسكار ديستان، كيف مرّ ذلك اليوم، من دون ان تصل إليه أي اخبار عن الجنود الذين غادروا من فرنسا. وفي المساء، انتقل الى فندق مارينيي مرتديا بذلة سموكينغ لحضور مأدبة عشاء مع الرئيس السنغالي ليوبولد سيدار سنغور، الذي كان يقوم بزيارة رسمية الى فرنسا. يقول جيسكار ديستان «لدى عودتي من العشاء، وبينما كنت أفك أزرار قميصي، رن الهاتف فإذ بها رسالة تبشرني بنجاح العملية، «فقلت» هكذا تم كل شيء وفق ما كنا نأمل، ولأننا نعرف نوعية رجالنا، ما كنا نشك في نجاحهم ثم وضعت رأسي بين يدي واغمضت عيني.. هل سأبكي؟ لا اعرف ولكن يبدو اني سأبكي». وروى جيسكار ديستان الذي لقبته لوكانار أونشيني بـ«فالي الافريقي» بأنه احتفظ بصور الضربات الفرنسية الناجحة في تشاد، حتى يتأملها بين الفترة والأخرى، وفي تعليقه على هذا كتب بيير سارفون في كتاب «الرؤساء والحرب»: «يعيش الرؤساء في ثوب قادة الجيش، والحرب مصدر الشباب على الرغم من عنفها.. ففي هذه اللحظات يكتشف الرئيس كم هو مختلف وقادر على انقاذ حياة البشر مع تحمل مسؤولية اي خسارة في صفوف قواته». في عام 2013، تخلى الرئيس فرنسوا هولاند عن عزمه التدخل عسكريا في سوريا لمعاقبة بشار الأسد بسبب استخدامه الاسلحة الكيماوية، بعد ان فهم بأن أوباما تراجع بينما رفض البرلمانيون البريطانيون اي تدخل بعد اقتراح قدمه ديفيد كاميرون. ويقول الجنرال جان بيير جورجولان «تقنياً، كان بمقدور فرنسا ان تذهب للحرب بمفردها، ولكن كان ينبغي تقبل كل النتائج». وكان الرؤساء الفرنسيون في العادة يتخذون قرار الحرب بعد قياس كل الاخطار وفق جان لويس جورجولان. ففي مالي في 2013 وليبيا في 2011، كانت المخاطر معروفة ومرصودة. حق العفو ونشرة السادسة «فتحت الراديو، للاستماع الى نشرة السادسة.. كان الصحافي يقرأ بياناً عُلق على باب السجن، جاء فيه ان حكم الاعدام نُفذ في الشخص الذي ادين به، عند الساعة الرابعة صباحاً… بقيت ممدداً وشعرت بالتعب من دون ان استطيع تحريك اي جزء من جسدي»، هكذا روى فاليري جيسكار ديستان تفاصيل صباح يوم 28 يوليو 1976، الذي اعدم فيه كريستيان رانوتشي، بعد أن ادين باختطاف وقتل الصبية ماري دولوريس رامبلا في الـ3 يونيو 1974، الكثير من نقاط الظل في القضية شككت في ادانة كريستيان رانوتشي، ودفعت جيل بيرو الى تأليف كتاب وميشال دراش لإخراج فيلم مستوحى من هذه القصة. كانت هذه المرة الاولى التي يرفض فيها فاليري جيسكار ديستان العفو، ورفض منح العفو مرتين اخريين الى غاية 1981، الى ان الغى حكم الاعدام. ويروي الرئيس كيف فضل تلك الليلة ان يقضي ليلته وحيدا في قصر الاليزيه وليس في بيته العائلي في شارع بينوفيل في الدائرة البريسية الـ16، وكيف قرر ان يشارك في اول قداس في كنيسة سانت جارمان اوكسيروا قبالة اللوفر حتى يفكر بشدة في سيرورة الحدث ويتحمل المسؤولية التي تخصه، وكيف استيقظ عند الرابعة صباحا وكيف سمع من النافذة صوت مكنسات البلدية. وكيف ثلّث عند الساعة السادسة صباحاً. عفو ميتيران وتعديل الدستور كان فرنسوا ميتيران محامياً لروجي بونتام في القضية الشهيرة التي أُدين خلالها كلود بوفي في عام 1972 بقتل ممرضة وحارس في سجن كلارفو. أقرت محكمة الاستئناف أن روجي بوتام غير مذنب، ولكن العقوبة سلطت على الرجلين في ما بعد، وحين رفض الطعن، توجه روبير بادينتر إلى الاليزيه مع زملائه المحامين، حيث التقوا الرئيس جورج بومبيدو، وبعد مباحثات استمرت نصف ساعة وبضعة أسئلة، يقول المحامي ان الرئيس عبر عن اهتمامه بالموضوع، ولكنهم فشلوا في اقناعه. وبعد بضعة أيام، تلقى الاستاذ بالينتر مكالمة هاتفية من النيابة العامة أبلغته بأن موعد تنفيذ حكم الاعدام حدد الليلة. تم إلغاء عقوبة الإعدام في 18 سبتمبر 1981، ولكن حق العفو الرئاسي الموروث عن الحكم الملكي لا يزال موجوداً، على الرغم من انه لم يعد يعني حق الموت أو الحياة، فالمادة الــ17 من الدستور تنص على ان لرئيس الجمهورية الحق في منح العفو بشكل فردي، وقد أُضيفت جملة «بشكل فردي» خلال تعديل الدستور في عام 2008 ليضع حداً للعفو العام. تم تنفيذ الحكم بالإعدام في حق 19 شخصاً خلال فترة حكم الجنرال ديغول وثلاثة أشخاص في عهد جورج بومبيدو و3 آخرين في فترة حكم فاليري جيسكار ديستان. ولم يجد فرنسوا ميتيران يوم وصوله إلى قصر الاليزيه سوى ملف واحد على مكتبه، لقد ترك له فاليري جيسكار ديستان في ملف أخضر طلب عفو تقدم به فيليب موريس، الذي أُدين بقتل شرطي، بعد أربعة أيام وبالتحديد في 25 مايو 1981 اصدر الرئيس عفواً عن الرجل، بعد ان كان قد وعد خلال الحملة الانتخابية بإلغاء عقوبة الإعدام رغم رفض 60 في المئة من الفرنسيين لذلك وفق استطلاع الرأي، غير ان ميتيران لم يضطرب أو يتوتر أمام الرأي العام، ومضى يطبق قانونه، متناسياً الــ45 مقاوماً جزائرياً الذين تركهم يعدمون بين عامي 1956 و1957 من دون ان ينبس ببنت شفة، رغم انه كان وزيراً للعدل وحافظاً للأختام في حكومة غاي مولي. عفو شيراك ومحسوبية ساركوزي تم إلغاء عقوبة الإعدام، لكن حق العفو لا يزال موجودا في فرنسا. ووفق القاضي فيليب بيلغر الذي يترأس في الغالب محكمة الجنايات فإن العفو الفردي يمنح، حين يمكن أن يعالج وظيفة مؤسسة ما وليس ليسيء إلى وظيفتها، ولكن هل هناك محسوبية في منح العفو؟ لا، فحين قرر فرانسوا هولاند في 2014 العفو عن فيليب الشناوي، كان هذا الأخير قد قضى 38 عاما في السجن بسبب ارتكابه اعتداء مسلحا. ولا أيضا، حين قلّص جاك شيراك في عام 1996، عقوبة البستاني عمر رداد، الذي أدين بقتل سيدته، بينما كان لا يزال يؤكد براءته. لكن وقعت المحسوبية، حين عفا نيكولا ساركوزي عن المسؤول الإداري جان شارل مارشياني، الذي أدين بالفساد، حين كان يعمل في مكتب وزير الداخلية شارل باسكوا.   رمز النساء المعنفات قام فرانسوا هولاند بالتجديد في هذا المجال، حيث منح العفو مرتين لجاكلين سوفاج، هذه المرأة التي أدينت بالسجن لمدة 10 أعوام من قبل محكمة الجنايات بعد أن قتلت زوجها ببندقية، منهية بذلك أكثر من 40 سنة من الزواج، ذاقت خلالها كل أنواع التعذيب. في 31 يناير 2016، منح الرئيس لها عفوا جزئيا، يسمح لها بالمطالبة بالافراج، لكن القضاء رفض الإفراج المشروط. وفي 28 ديسمبر 2016 منح هولاند العفو الكامل لجاكلين سوفاج. في هذه القضية، استمع رئيس الجمهورية للشعب، الذي تحرك لمصلحة المحكوم عليها، التي وصفها المختصون في القانون بالبطلة.. وقد انهالت العرائض وبرقيات الدعم من اليمين واليسار على الرئيس، بعد أن أصبحت جاكلين سوفاج، رمزا للسيدات المعنفات في فرنسا.

مشاركة :