الحلقة الأخيرة من كتاب «نزوات رؤساء الجمهورية الخامسة»

  • 7/28/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تأليف بياتريس هوشار | ترجمة وإعداد سليمة لبال | تعاقب على فرنسا منذ اعلان الجمهورية الخامسة، ثمانية رؤساء، كانت لهم بصماتهم في الحكم وإدارة مفاصل الدولة. ومن الجنرال شارل ديغول الى إيمانويل ماكرون، غالباً ما كان مزاج الرئيس هو ما يفرض نفسه على ادارة قصر الإليزيه ومؤسسات البلد كلها. في كتاب «نزوات رؤساء الجمهورية الخامسة» والصادر مطلع هذا العام، تروي الصحافية الفرنسية بياتريس هوشار، التي غطت ستة انتخابات رئاسية لمصلحة «لانوفيل ريبوبليك» و«لا في» و«لوباريزيان» و«لوفيغارو»، قصصا غريبة عن هؤلاء، وترصد أهواء البعض، وتدخلات البعض الآخر في كل شيء في الدولة، مهما كان بسيطا، ولا يرقى الى مستوى اهتمامات الرئيس، كما تهتم بجانب غير معروف عن حياتهم الخاصة، كطائرة الفالكون التي كانت تتحرك من اجل شراء الجبن الخاص بالرئيس، الى تدخل البعض في تعيينات مديري المتاحف، وتوقيت وتفاصيل برامج التلفزيون الحكومي. إنها قصص غير معروفة على الإطلاق، امضت بياتريس هوشار سنوات في جمعها، عن نقاط ضعف رؤساء فرنسا منذ 1958، لتشكل رواية حقيقية عن السلطة في فرنسا. ونحن في القبس ننقل بعضا مما اخترناه من هذه القصص. في خضم الأزمة المالية وبينما اندلعت التظاهرات في الأنتيل استدعى نيكولا ساركوزي مدير مؤسسة تلفزيون فرنسا باتريس دوهامال بخصوص برنامج يبث عند الظهيرة واقترح عليه تغيير موعده حتى تزيد نسبة مشاهدته، لم يصدق دوهامال أذنيه، حيث يقول في هذا الخصوص «أصبح مطلع عام 2008 جحيما بالنسبة لي لقد كان يريد معرفة كل شيء والاطلاع على كل ما نحضره». وفجأة ومن دون مقدمات أعلن نيكولا ساركوزي إيقاف الإعلانات التجارية بعد الساعة الثامنة مساء في القنوات التلفزيونية الحكومية، ما أذهل وزيرة الثقافة التي قالت وفق باتريس دوهامال إن الرئيس وضع للقطاع الحكومي نموذجاً اقتصادياً في 30 ثانية، وبدأ المستشارون في قصر الاليزيه يتساءلون من أين ستعوض التلفزيونات خسائرها التي تبلغ 800 مليون يورو بسبب إيقاف الإعلانات بعد الثامنة، بينما كان الرئيس مهتماً بتغيير مواعيد البرامج. في سهرة 30 يونيو 2008، كان التلفزيون الفرنسي سيستضيف نيكولا ساركوزي لإجراء مقابلة صحافية ويقول الشقيقان باتريس وألان دوهامال في كتابهما «ورقة على الطاولة» الذي صدر في عام 2010 إن الرئيس ما أن دخل باب المؤسسة حتى استقبله نقابيون كتب احدهم على قميصه العبارة التالية «ما أجمل الحياة دون ساركوزي». فوجئ الرئيس ببرود الاستقبال، وفي طريقه الى غرفة الماكياج صار يردد «هذا البيت ليس له مسؤول، هذا البيت ليس له مسؤول». وما أن دخل غرفة الماكياج حتى انفجر الرئيس أمام باتريس دوهامال وباتريك كارولي وكلود غيان قائلاً «هذا الأمر غير معقول، ما فعله النقابيون غير معقول، الرئيس حين يكون في القطاع العام، يكون في بيته، ويتعاملون معه بهذه الطريقة، ما هذا البيت؟». تصاعدت لهجة نيكولا ساركوزي، الذي هدد بالمغادرة بينما كان اللقاء الصحافي سيبدأ لكنه في النهاية دخل استوديو فرانس 3، وهناك فوجئ أيضاً برفض فني مصافحته. بعد البرنامج وانتهاء المقابلة بدأت المعركة حيث سأل باتريس دوهامال الرئيس «ولكن لماذا ترغب دوما في الحكم علينا والتدخل والاهتمام بالبرامج؟ فأجاب نيكولا ساركوزي بكبرياء «أنا رئيس الجمهورية على كل حال». انتقادات حمقاء بعد بضعة أشهر وحين كان أمام ميكروفون إذاعة فرنسا وصف باتريك كارولي انتقادات الرئيس للقناة التي يرأسها بــ«الحمقاء».. لقد كان هذا الوصف بمنزلة جريمة في حق الرئيس الذي طالب وفق باتريس دوهامال بالاعتذار حالاً. تم استبعاد باتريك كارولي مباشرة من منصبه ولأن نيكولا ساركوزي كان يحرص دوماً على عدم الظهور في صورة شرير حقيقي فقد كلف كلود غيان بالاتصال بكارولي فور خروجه من قصر الرئاسة وإبلاغه بقرار استبعاده وعرض عليه منصب رئيس قناة Arte لكنه رفض. في 5 يوليو 2010 اختار نيكولا ساركوزي ريمي فلالان لشغل منصب رئيس تلفزيونات فرنسا، وكان قد عين في فبراير 2008 كريستين اوكرانت مديرة عامة للاعلام الخارجي الفرنسي، لكن مشكلتها الوحيدة هي ان زوجها برنار كوشنير، كان وزير الخارجية، ويقول جورج مارك بنامو وكان مستشارا سابقا للشؤون الثقافية لنيكولا ساركوزي ان الجميع كان ضد هذا التعيين لانه سخيف من الناحية الاخلاقية. وبالمناسبة كان فرنسوا ميتيران يهتم هو الآخر بالبرامج، ولانه كان يرغب في مشاهدة برنامج عن مهنة التعليم، نفذ بيير غرامبلان برنامجا في هذا الاتجاه. تدخلات ديغول إذا كانت البرامج التلفزيونية تثير الجنون، فماذا عن الاخبار؟ بعد مظاهرات مايو 1968، عرف التلفزيون الفرنسي أكبر عملية تحول في تاريخه بسبب تدخل الاليزيه، بينما كانت ازمة مايو 1968 في أوجها، استدعى الجنرال ديغول، وزير الاعلام جورج غورس وقال له «بالنسبة لديوان بث الاذاعة والتلفزيون الفرنسي، يجب أن يكون كل شيء تحت قبضتكم».. وتحدثت من إيف غينا التي عينت في المنصب لاحقا عن عملية تطهير، وقالت «لم يكن الجنرال ديغول يتقبل ألا يكون التلفزيون في خدمة سياسته.. لكن التلفزيون خدعه في مايو وكان يجب معاقبة الصحافيين». وهكذا غادرت اسماء معروفة مثل روجي كوديرك (رجل الريغبي) وروبرت شابات (مذيع سباقات الدراجات) وموريس سيفينو مقدم اخبار الثامنة وايمانوييل دولاتاي وفرنسوا دو كلوزيه.. في المجموع تم طرد 58 صحافيا في نهاية الصيف بينما تم تحويل 29 واحيل 2 الى التقاعد. وبعد عام ايضاً، شهدت المؤسسة عملية تطهير ثانية، بعد أن اصبح جورج بومبيدو رئيسا للجمهورية في 1969 حيث امر باستبعاد كل الصحافيين الذين ساهموا في نقل مظاهرات مايو 1968 على المباشر. ويقول روبرت ناميا ان جورج بومبيدو استدعى مدير اذاعة اوروبا 1 موريس سياغل فور وصوله الى الاليزيه وطلب منه الاستغناء عن كل الصحافيين الذين غطوا التظاهرات، وقد تم بالفعل طرد 9 صحافيين بينما استقال اخرون برغبتهم، فإيتيان موغوت على سبيل المثال التحق بالتلفزيون الحكومي وبفريق بيير ديغروب، الذي كلفه رئيس الحكومة جاك شابان دلماس بتحرير التلفزيون، بينما كان بومبيدو يبحث عن تنظيف وتطهير المكان من كل من له علاقة بأحداث مايو 68. هولاند والصحافة لم يكن كل شيء سلبيا في فترة رئاسة فرانسوا هولاند، والدليل أن الرئيس الاشتراكي لم يتدخل لمصلحة احد خلال السنوات الخمس التي قضاها في الاليزيه، ويقول اوليفيي سيو رئيس تحرير نشرة اخبار الثامنة في قناة فرانس 2 «لم يكن الرئيس يتصل هاتفيا ابدا». في الواقع كان فرانسوا هولاند، يتعامل في قصر الاليزيه، مثلما كان يتعامل حين كان أمينا عاما للحزب الاشتراكي، حيث كان يتصل مباشرة بالصحافيين، ليس للضغط عليهم وإنما من اجل الثرثرة وتبادل المعلومات والاخبار بالطبع، لإيصال ما يفكر فيه الرئيس للرأي العام، وحين كنا نقرأ في الصحف والمجلات كلاما منسوبا الى محيط الرئيس، هو في الحقيقة كلامه هو نفسه. أنا من يعيّن لسلطة التعيين متعة خاصة، ويمنح الدستور الفرنسي للرئيس سلطة تعيين من يراهم أكفاء ومناسبين في المكان الذي يراه مناسبا. في عام 1980 تخرجت دفعة فولتير من المدرسة العليا للإدارة، وكان بين عناصرها الرئيس فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء دومينيك دوفيليبان، ووزراء من اليمين واليسار، مثل سيغولين روايال وفريديريك بريدان وميشال سابان ورونو دونيديو دو فابر، وجيلا لامعا من الموظفين السامين في الدولة. حاول فرانسوا هولاند، فور فوزه بالانتخابات الاستعانة بأصدقائه القدامى، فعيّن ميشال سابان، وزيرا للاقتصاد وبيير ريني ليما، أمينا عاما للاليزيه ثم رئيسا لصندوق الودائع والشحنات، بعد أن عوضه في الرئاسة بجان بيير جوييه، الذي ينتمي الى الدفعة ذاتها مثل مديرة ديوان الرئيس سيلفي هوباك، التي عينت فيما بعد في منصب مديرة المتاحف الوطنية والقصر الكبير وعين في مكانها جان بيير هوغ وهو الآخر من دفعة فولتير. في الواقع لم يتم تعيين كل خريجي دفعة فولتير البالغ عددهم 167 تلميذاً من قبل فرانسوا هولاند، ولكن العديد منهم كانوا في أركان الدولة بين عامي 2012 و2017، لقد كانوا جميعهم في الستين من عمرهم، مثل فرانسوا هولاند، وفي نهاية مشوارهم الوظيفي، لذلك بدا معقولاً ان يتقلدوا مناصب عليا، ويقول مسؤول سام في الدولة ان عملية انتقاء واختيار المسؤولين تتم في وسط ضيق جيداً وبين أشخاص يتعارفون جيداً ويبحثون عن مرشحين للمناصب فيما بينهم فقط، بسبب الكسل أو الخوف، ويبدو ان تعيين الرئيس لطلبة عرفهم في المدرسة العليا للإدارة لم يشكل بالنسبة لديه أي خطر. تسليم المهام ويحرص كل رئيس منتهية ولايته أثناء عملية تسليم المهام وتنصيب الرئيس الجديد، على الاطمئنان على مصير المقربين منه، وفي الغالب يقبل الرئيس ويلتزم بكلمته، ففي عام 1981 طلب فاليري جيسكار ديستان، من فرانسوا ميتيران، بعد ان خسر الانتخابات ان يسهر على مستقبل بعض مساعديه ورد عليه الرئيس بالايجاب. وفي كتابه «فرنسا طول العمر» يروي نيكولا ساركوزي، تفاصيل عملية تسليم المهمات بينه وبين فرانسوا هولاند، فيقول «كان لقاؤنا وديا وكان يخاطبني بصيغة المفرد وطلب مني ان أكلمه بالهاتف ان واجهت أي مشكلة ما، ووعدني بأن يجد مخرجاً مشرفاً لاثنين أو ثلاثة من مساعدي، ولكنه لم يفعل شيئاً». ولا نعرف ما الذي حصل بالضبط خلال عملية تسليم المهام التي تمت في 13 مايو 2017 بين فرانسوا هولاند وايمانويل ماكرون، غير ان تعيين جان بيير جويي في 7 يونيو في منصب سفير لفرنسا في لندن ثم تعيين سيغولين روايال سفيرة في القطبين الشمالي والجنوبي يمكن ان يعطينا مؤشراً على ما دار بينهما. الأكثر سخافة وكان ايمانويل ماكرون، كريما أيضاً مع وزيرة الثقافة السابقة أودي أزولي، التي تقدمت كمرشح لفرنسا لمنصب الأمينة العامة لليونسكو، غير ان الالتماس غير المنتظر والأكثر سخافة في عمليات تسليم المهام، ما حدث بين فرانسوا ميتيران، وجاك شيراك، حيث أوصى الرئيس المنتهية ولايته، الرئيس الجديد بالاهتمام بزوجين من البط البري يعيشان في حظيرة قصر الاليزيه، وفي مذكراته كتب شيراك ما قاله له الرئيس السابق «لقد قال لي أعرف انك تملك كلب صيد من نوع لابرادور، أنا قلق على مصيرهما.. أعمل على ألا يفترسهما». وهاتف الرئيس الجديد سابقه عدة مرات ليبلغه بأن زوج البط البري بخير، ويضيف شيراك: خلال الأسابيع الأخيرة التي تلت نهاية ولايته، سعدت بإبلاغه بنبأ ولادة عشرين بطا في حظيرة القصر، وشكرني لاني اهتممت بهما والتزمت بوعدي، لكن للأسف بعد بضعة شهور أعلنت رئاسة الجمهورية في بيان صحافي نفوق زوج البط الذي كان يرعاه شيراك، وبرأ في الوقت ذاته كلاب عائلة شيراك. مدافن الرؤساء «كنت أود أن أدفن في نصب البونتيون، فهناك بدأت فترة رئاستي ومن الطبيعي ان انتهي هناك، لكن اليساريين فعلوا كل شيء لمنع ذلك.. هذا السر أسرّ به فرانسوا ميتيران لفرانز أوليفيي جيسبرت الذي ذكر في كتابه «العجوز والموت» ما يلي: «بالنسبة لميتيران الذي كان يحب المشي في أزقة البازيليك وسانت دنيس، الذي كان يبهر محدثيه حين يستذكر كل ملوك فرنسا وفترات حكمهم، لم تكن مقبرة عادية تكفي رفاته». من جهته، اختار الجنرال ديغول مقبرة صغيرة في كولومبي لي دو زيغليز، حيث ترقد ابنته آن والتحقت به زوجته إيفلين، كان فرانسوا ميتيران يرغب بمكان أفضل، لذلك اختار جبل بوفري ليدفن على قطعة أرض تمتد على مساحة مئة متر مربع، اشتراها هو وزوجته مقابل فرنك رمزي واحد من بلديو نيافر. وقالت دانيال ميتيران، في مقابلة مع باري ماتش انها وزوجها اختارا هذا المكان ليرقدا فيه، بالنظر إلى هدوئه وقربه من منطقة ميتيران الانتخابية، لكن الأمور ليست بهذه السهولة، حيث اندلع جدل بخصوص الموضوع واحتج كثر على منح ميتيران هذه الأرض، ما حال دون اتمام الأمر، ودفع ميتيران الى التفكير في ان يدفن في كنيسة صغيرة في نابينو، كان عادة ما يزوها، لكن اشاعة انتشرت مفادها انه يرغب في ان يدفن في القدس أو أحد المشاريع الكبرى التي نفذها كالمكتبة الوطنية أو الحدائق، لكنه دفن في النهاية في مقبرة العائلة في جارنال في حضور العائلة وزوجته دانيال وآن وجان كريستوف وجيلبرت ومازارين، التي حاصرها المصورون. أما فاليري جيسكار ديستان، فقد اختار أن يدفن في بلدة أوتون الصغيرة، مسقط رأس زوجته آن إيمون، وليس مسقط رأسه لوار إي شار، وعن سر هذا القرار، قال جيسكار ديستان لأحد مقربيه إنه اختار هذه البلدة لأن أوفرني بعيدة ولا أحد سينتقل إليها، بينما تبعد أوتون نصف ساعة بالتي جي في عن باريس». ولم يكن جيسكار ديستان، يرغب في أن يدفن في أوتون مع الجميع. ففي 2012، ذكرت الصحف أن السيدة جيسكار ديستان، أودعت طلب رخصة بناء كنيسة صغيرة ليس في المقبرة وإنما في قطعة الأرض التي تملكها بمحاذاة المقبرة، لكن تقرير البلدية أثبت أن الأرض غير صالحة للبناء ما حال دون استكمال المشروع. يموت الرؤساء مثلهم مثل جميع البشر، لكن إذا صدقنا الروايات الرسمية، سندرك بأن الرؤساء لا يمرضون أبداً، فقد أعلن بيان الرئاسة الذي صدر ساعة وفاة جورج بومبيدو، إصابته بأزمة بواسير، وحين يصاب الرؤساء بسكتة دماغية، يعلن بيان الرئاسة عن مشكلة في الأوعية الدموية، مثلما حصل مع شيراك، وإن تعرضوا لحادث أثناء ممارستهم لرياضة المشي في الهواء الطلق وخضغوا لجراحة، مثل ساركوزي، فالمعلومات الواردة من الرئاسة شحيحة جداً، وإن عانوا من سرطان في بداية الولاية، مثل فرانسوا ميتيران، فيتم نشر بيانات طبية ناقصة، وإن لعشر سنوات، لوأد الإشاعات. انتهى

مشاركة :