متابعة: جيهان شعيب، محمد بركات كثرت في الآونة الأخيرة الرسائل المرسلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة «الواتساب»، التي تعرض صور مرضى في أوضاع صحية حرجة مع طلب مساعدتهم، ومد يد العون لهم، من خلال توضيح أن المتبقي على «فلان» مبلغ كذا من المال لإجراء الجراحة العاجلة المطلوبة له، أو أن المريضة «الفلانية» في حاجة إلى تدخل جراحي عاجل لاستئصال الورم «الفلاني»، أو للتشافي من علة صحية خطيرة ألمّت بها، وغير ذلك من الادعاءات، والمزاعم المختلفة، ومعظمها زائف، وكاذب، والتي يرسلها البعض إلى عدد من لأشخاص طلباً للمساعدة والمساندة المادية، والجود بما يمكنهم.من تلك الرسائل رسالة نشرت على موقع «تويتر» تضمنت صورة لطفلة خليجية تدعى سارة إبراهيم، مصابة بسرطان الدم، تعاطف معها مستخدمو الموقع، لصورتها المنشورة وهي تتلقى العلاج، ورأسها أصلع لتساقط شعرها نتيجة «الكيماوي» الذي تعالج به، وتطلب الرسالة من المتابعين الدعاء لها بالشفاء من مرضها، وأن يساهموا في تكاليف علاجها، لتأتي صور البعض وهم يحلقون شعر رؤوسهم، تضامناً وتعاطفاً معها، ليتكشف لاحقاً أن هذه الصور تعود إلى طفلة أمريكية، مصابة بالسرطان، وفور افتضاح الأمر اختفى من كان يغرد عبر الحساب المزيف طالباً المال.الواقعة ليست الوحيدة، ولا الأخيرة، لكنها تؤكد أن كثيراًَ من هذه الرسائل تجافيها المصداقية، وتخالف الحقيقة، بل وتدخل في إطار التسول المستتر، وحتى إن كان قلة منها صحيحة، هل من التعفف أن يتاجر هؤلاء بأمراضهم بغية استدرار العطف، والتأثير في الآخرين، باللجوء إلى حيل مختلفة؟ وعلى رأسها استعراض طبيعة المرض، لتحريك مشاعر الرحمة والرأفة، والتأثير في أفراد المجتمع رغم وجود العديد من الجمعيات الخيرية المتواجدة في جميع أنحاء الدولة، والتي لا تتوانى عن مساعدة المرضى، والمعوزين، والمتعسرين.وهل يجوز -اجتماعياً - أن يرسل المريض صورة لنفسه وهو على سرير المرض طالباً المساعدة؟ حتى إن أرفق طلبه بشهادات مرضية تثبت حالته الصحية بالفعل، وتوضح تردّيها، إضافة إلى فواتير من مستشفى، أو طبيب، بالمبلغ المطلوب لإتمام علاجه، وإن لم يكن هو مرسل صورته، فهل يقع من يقوم بفعل ذلك تحت طائلة المساءلة القانونية، إن شكاه المريض، أو ذووه، أو أي ممن تصلهم الرسالة؟ آراء حول الظاهرة بداية، وحول القول القانوني في هذه القضية، قالت المحامية منوهه هاشم: عرف عن دولتنا أنها ارض معطاءة، تقدم العون والمساعدة للقاصي والداني، ولا تألو جهداً في مساعدة المحتاج، والمنكوب، ولا تخص بمساعدتها شعبها ذا الأيادي البيضاء فقط، بل الناس قاطبة، ومن هنا عمدت دولتنا مشكورة إلى إنشاء المؤسسات والهيئات الخيرية، المنظمة والمعتمدة التي تعمل ليل نهار في تقديم المعونات للسائلين والمتعففين، وتهدف بشكل أساسي لتقديم الخير، وكف شر المتلاعبين الذين يستغلون القلوب الرحيمة بدعوى الحاجة الملحة.وبالفعل ظهرت في الآونة الأخيرة بصورة ملحوظة فئات تبحث عن المساعدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها، بعرض حالات لمرضى بغية كسب المال، وان صح الأمر فلا مسوغ لنشر مثل تلك الصور، والحالات المرضية للكافة، حيث كما أسلفنا هناك جهات منوطة بهذه المهمة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال استجداء الناس بهذه الطريقة غير اللائقة، التي تعكس صورة غير راقية، في حين أن الدولة لا تقصر، وبابها مفتوح لمثل هذه الحالات، ونحن هنا نتحدث عن الأفراد الذين يستجدون الناس بغير وجه حق، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا أنشئت الهيئات إذاً؟ فضلا عن ذلك، فالمشرع الإماراتي عمد إلى وضع القوانين الصارمة إلى جانب سن قوانين لردع مثل هذه الظاهرة السلبية التي تعرف بالتسول، أياً كان تسولاً إلكترونياً، أو مباشراً - في الطرقات على سبيل المثال- حيث نص الأمر المحلي رقم 43/1989 على بعض العقوبات بشأن مكافحة التسول، حيث تنص المادة رقم «3» على أن «كل شخص صحيح البنية وجد متسولاً يعاقب شهراً حبساً، وبغرامة 3 آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين»، والمادة رقم «4» نصت على انه إذا كان الشخص غير صحيح البنية فيعاقب بالحبس مدة 15 يوماً، وبغرامة 1500 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، والمادة رقم «5» نصت على «إذا كان المتسول أجنبياً أمرت المحكمة بإبعاده»، والمادة رقم «6» نصت على انه إذا عاد المتهم المحكوم عليه لارتكاب جريمة التسول خلال سنة من تاريخ صدور الحكم عليه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهرين، وبالغرامة التي لا تتجاوز 5000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين.وأخيراً.. دولتنا دولة خير وعطاء، كما عرف عنها أنها دار زايد الخير، ولكن من دون إساءة لها، ولشعبها، والقاطنين عليها، والخير يعم ويشمل كل محتاج وذي حاجة، وولاة أمورنا قدوة يحتذى بها في كل الأمور. إبلاغ الشرطة وعن واقع الظاهرة مجتمعياً، قالت بدرية المعيني نائبة رئيس مجلس أولياء أمور الطلاب والطالبات في الشارقة، إن هناك عصابات تستغل المرضى وحالتهم، فتصورهم وتنشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بغرض التسول، والاحتيال، وبالذات في فترة المناسبات الدينية، لاستجداء العواطف، واستمالتها، للحصول على المال بطرق غير مشروعة، ووسائل احتيالية لا تمت للمشاعر الإنسانية بصلة، فيما هذه العصابات من الممكن أن تستغل المرضى من دون علمهم لإيقاعهم كضحايا للنصب من مافيا المتاجرة بالأمراض عبر استخدام صورهم، وتقاريرهم الطبية، ونشرها كما ينشرون أرقاماً لحسابات بنكية لتحويل الأموال عليها.لذا من الضرورة بمكان إبلاغ الشرطة المجتمعية عن أي حسابات وهمية تحاول استغلال الحالات المرضية في النصب، والاحتيال، للتصدي لهذه الظاهرة، مع وجوب التوثق من مصداقية الحالة المرضية المرسلة، والحسابات التي تنشر صورها، حتى لا تكون لشخصيات معروفة، ولكيلا يقع متابعو وسائل التواصل الاجتماعي ضحايا للمتاجرين بالمرضى، أو حتى المرضى ذاتهم، ومن الأفضل و الأضمن لمن يريد أن يتبرع بالأموال التوجه إلى الجهات الرسمية، والخيرية المعروفة في الدولة حتى تصل أموال الصدقات لمن يحتاجها بالفعل، ويستحقها. شخصيات سيكوباتية وحول التكوين النفسي لمن يتاجرون بأمراضهم، أو يستغلهم غيرهم في ذلك، قالت الدكتورة النفسية رشا عباس: من يستغلون المرضى للنصب هم من الشخصيات التي تدعى «بالسيكوباتية»، أو التي يطلق عليها «الضد مجتمعية»، وهي شخصية منعدمة الضمير تحمل بداخلها كل المعاني السيئة من الحقد، والأنانية، والانتهازية والكراهية، وتهدف إلى إيذاء الآخرين بأي شكل من الأشكال، فالشخص السيكوباتي يرتكب العديد من الجرائم، دونما رحمة، لمشاعره المتجمدة، وأغلب المجرمين مرتكبي الجرائم الكبرى ينتمون إلى هذه الشخصية.إضافة إلى أن الكذب يعتبر الصفة المحورية والأساسية لدى النصاب من هؤلاء، وغالباً يكون بارعاً في كذبه، حيث لا يفتضح أمره لمن يتعامل معه إلا بعد مرور وقت طويل، ويعد الكذب صفة مشتركة لدى معظم النصابين على اختلاف تركيباتهم واتجاهاتهم، إلى جانب المراوغة، والخداع، والتضليل، والمبالغة.والحقيقة هذه الظاهرة تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعدد من المواقع الإلكترونية، بطلب مساعدات مالية في إطار جمع تبرعات لمرضى، فيما تستهدف عملية النصب في هذا الصدد استثارة المشاعر الإنسانية، واستمالتها من اجل الحصول على الأموال. فتوى شرعية صدرت فتوى شرعية بخصوص رسائل طلب الدعاء بهذا، أو ذاك من الأمور،حيث أكدت الفتوى الصادرة في هذا الشأن، أنه لا يجب على من تصله هذه الرسائل أن يعيد إرسالها.. وإذا حلف شخص على غيره ليفعلن فعلاً فلم يفعل فإنَّ الحالف يحنث دون المحلوف عليه، وإن كان من المستحب للمحلوف عليه أن يبر الحالف، فلا يخالفه لكيلا يُحنثه، وعلى من يريد الدعاء من الناس ويرسل لهم بذلك، أن يتلطف بهم، ولا يحرجهم بالحلف عليهم.والعدد المعيَّن في الدعاء أو الأشخاص المطلوب إرسال الدعاء إليهم لا يصلح أن يكون مقصوداً لذاته حتى تخرج من الإحداث في الدين، وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلَّم: «مَن أحْدَث في أمْرِنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن عمِل عملاً ليس عليه أمْرنا فهو ردّ» (رواه مسلم في صحيحه)، وعلى جميع ما يتعلق بالعبادة، بما في ذلك كيفيَة الذّكر، وعدده، ووقته والدعوة إليه، هو أمر توقيفيّ ينبغي أن يقتصر فيه على ما ورد عنِ الشارع، ويجتنب ما لم يَردْ، فالواجب على المسلم عدم المُشاركة في نشْر الضلالات والخرافات، وفي صحيح السّنة كفاية.
مشاركة :