ابن الديرة الحضارات هي الناتج الإنساني لحقب تاريخية معينة، يصنعها بقدراته وإمكانياته المتوفرة والتي يستطيع حشدها في البناء والتنمية والثقافة والفنون والاقتصاد ومجمل التكوين المجتمعي، ولذلك يتفق العلماء على أن الحضارات انعكاس ميداني لجهد الإنسان، تزدهر وتنمو بقدر ما يبذل من جهد وفكر ويبدع بالعمل وينتج ويندمج أكثر في بحور العلوم. وكلما زاد الإنسان من قدراته العلمية واخترع وطور آلته التكنولوجية، يكون تأثيره في الناتج الحضاري كبيراً وعظيماً، ومن دون ذلك لا يستطيع أن ينجز ما يستحق أن يفخر به ويتباهى، ويورثه للأجيال القادمة، وبهذا المؤشر بالضبط يمكننا أن نفهم التفاوت غير المحدود بين حضارات الدول، إنجازاتها التاريخية، قدراتها على العطاء والبناء والتطوير والخلق والإبداع، وكيف أن أمماً خلدت للنوم العميق بعد أن سادت الأمم حقباً تاريخية معينة، ففاتها قطار التاريخ وأفاقت لتجد نفسها في مؤخرة الركب، لا حول لها ولا قوة.المجتمعات التي تصنع الحضارات تضع تنمية الإنسان هدفها الأول والأكبر والذي لا يعلوه هدف، باعتباره صانعاً لكل ما نتمنى أن نحققه آنياً واستراتيجياً، هي وحدها التي تستطيع أن تبني حضارة تعلو بها إلى القمم التي لا يستطيع أحد أن يصل إليها أو يزاحمها فيها، من هنا وفور الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، كان الهدف والاستثمار الأول هو الارتقاء بالإنسان، تربيته وتعليمه وتدريبه وتأهيله وتوظيف قدراته في الأماكن المناسبة لها والتي تبدع فيها، ونجحت. وخلال سنوات معدودة بدأ الفرق يظهر واضحاً بين الإنسان بسيط العلم وذاك الذي نهل العلوم من أرقى الجامعات الأجنبية، ومن جامعات وطنية حرص البناة المؤسسون على أن تكون مزودة بأحدث الأجهزة والمعدات وبكادر تدريسي يرقى إلى مستوى الطموح والهدف. وزادت النتائج المبهرة من قناعة القيادة الرشيدة للبلاد بصحة هذا النهج وحيويته وأهميته القصوى، فعمقته وجعلته فوق كل الاستراتيجيات رغم الحاجة الماسة إليها، ووظفت له كل الإمكانيات ووسائل الدعم المادية والمعنوية، وبمرور الوقت زاد الفرق وضوحاً، لأن كثيراً من مخرجات التعليم باتت تمد سوق العمل بكفاءات عالية في كل المجالات، ولمسنا أثر الكوادر الإماراتية في كل مكان تعمل فيه، تقوده، تضع فيه لمساتها المبدعة. واليوم تعمل استراتيجية تطوير التعليم وكل الاستراتيجيات قصيرة المدى التي تتفاعل معها على تأهيل علماء يافعين في أكثر من مجال علمي وإنتاجي، ومتخصصين في علوم الفضاء والطاقة النووية والذكاء الاصطناعي، بما يجعل الجميع يفخر بحجر الأساس الذي وضعه المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وبأنه كان الخطوة الأولى الموفقة على طريق بناء دولة الأمارات التي باتت اليوم في مصاف الدول المتقدمة، وذات التأثير الإيجابي في السياسة والأوضاع العالمية. نفخر نعم، لكن النجاح بحاجة لجهد أكبر للحفاظ عليه وتطويره، وهو المهمة الصعبة التي يجب أن يستمر شعب الإمارات في توظيفها لصالحه والأجيال القادمة. ebnaldeera@gmail.com
مشاركة :