«مشروع كلمة» جسر للتواصل مع ثقافات العالم وإرساء صناعة ترجمة عربية

  • 7/28/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قبل عقد ونيف، أطلقت الإمارات العربية المتحدة، ممثلة بـ«هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة»، واحدا من أكبر المشاريع المعرفية الطموحة على المستوى العربي، والذي انطلق بآمال كبيرة، تهدف لإحياء حركة الترجمة في الفضاء العربي، وتنشيط الساحة الثقافية والمعرفية بمختلف الإصدارات المترجمة، من مختلف اللغات.. فكان «مشروع كلمة للترجمة»، الذي وضع نصب عينيه، ترجمة مائة كتاب كل عام، يراد منها أن تحدث «نهضة علمية ثقافية عربية تشمل مختلف فروع المعرفة البشرية، يمثل الكتاب فيها حجر الزاوية والمرتكز».ومنذ ذلك الوقت، وهذا المشروع يتابع اشتغاله بمزيد من الاحترافي والاتقان، إذ بلغ مجموع ما ترجم أكثر من ألف كتاب، في مختلف المجالات من أدب، وكتب أطفال، وعلوم دقيقة، وطبيعة، وتاريخ، وجغرافيا، وسير، وعلوم اجتماعية، وعلم النفس، والفلسفة، والفنون، واللغات، وغير ذلك.. من مجالات، إلى جانب المشاريع الجانبية التي يطلقها هذا المشروع، والتي يود من خلالها «النهوض مرة أخرى بالعصر الذهبي للترجمة، وإعادة توحيد صناعة الكتب العربية». في هذا الحوار، يطلعنا سعيد حمدان الطنيجي، مدير البرامج والنشر في دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، وممثل مشروع كلمة، عن تفاصل هذا المشروع، وأبرز منجزاته، كما يبين لنا التفاصيل المستورة في اختيار المترجم، وحقوق ملكية الكتب المترجمة، ويعبر بنا على فضاءات النشر العربية، واجتهادات «كلمة»، للنهوض بهذه الفضاءات.] في البدء، يعد «مشروع كلمة للترجمة» مشروعا تابعا لـ«هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة»، فما الدور الذي تعلبه هذه الهيئة على الصعيد المعرفي والثقافي والذي لا يقتصر على السياقات المحلية، وإنما يتجاوزها للفضاء العربي ككل؟ في الحقيقة، أطلقت «إدارة البرامج والنشر» بـ«هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة»، العديد من البرامج المتشعبة، التي تصب في مسار الارتقاء بالمعرفة وصناعة النشر والكتاب، إذ أن هناك أربعة مشاريع رئيسية تابعة لهذه الإدارة، وهي: «مشروع إصدارات»، والذي يعنى بالكتب التراثية، والأدبية، وكتب الأطفال والرحالة، ويعد هذا المشروع الأقدم بين المشاريع، حيث بدأ مع بدايات «المجتمع الثقافي» في أبوظبي. بالإضافة لـ«مشروع كلمة»، الغني عن التعريف، والذي استطاع على مدى عشر سنوات، إصدار ألف كتاب، في مختلف العلوم والمعارف، مترجمة عن (16) لغة عالمية. كذلك هناك «مشروع قلم»، وهو مشروع موجه للكتابات الإبداعية الإماراتية، وقد توقف هذا المشروع لعدة سنوات، ليعود من جديد، مواكبا لصناعة النشر والتأليف في مختلف المجالات الإبداعية. أما المشروع الرابع، والذي أطلق مؤخرا فهو «مسار أربعة»، الموجه لفئة الشباب، والذي يهتم بالكتب التي توجه رسائلها لهم، وتعنى بهم، ككتب تنمية الذات، وتطوير المعارف، إلى جانب تلك الكتب التي تلتقي مع ما تطرحه دولة الإمارات من مشاريع، كمشروع السعادة، والطاقة، والمستقبليات، وغيرها. كما أن لهذه المشاريع، تشعبات، لا تقتصر على صناعة الكتب وحسب، وإنما تشكيل بيئة محيطة متكاملة، ولهذا لدينا مشاريع المشاركات الثقافية، والبرامج والفعاليات على مدار العام، والتي تقام في مختلف المعارض الدولية، بهدف إيصال رسالتنا الثقافية، واستقطاب الجماهير للتعريف بهذه المشاريع المهمة. كما أطلقنا هذا العام (2018)، الدورة الأولى من «منتدى أبوظبي للنشر»، بهدف إطلاق مختلف العاملين في صناعة النشر، على أحدث التقنيات المستخدمة في هذه الصناعة، وقد انطلق المنتدى بقوة منذ دورته الأولى، بمشركات عربية وعالمية، استعرضت أحدث تقنيات النشر والطباعة. وإلى جانب هذا المنتدى شهد هذا العام، إطلاق «رابطة أصدقاء كلمة»، التي ستربط مختلف المهتمين بالقراءة حول العالم، وتتواصل معهم لتشجيعهم وإطلاعهم على إحدث الإصدارات، ولدينا الآن مجموعة في مملكة البحرين، والمغرب، وتونس، إلى جانب اتصالنا بالمجاميع المحلية، ونوادي القراءة في مختلف البلدان. وإلى جانب «رابطة أصدقاء كلمة»، أطلقنا كذلك «نادي كلمة للقراءة»، الذي سيكون فضاء لمناقشة الكم الكبير من الكتب المترجمة عبر «مشروع كلمة»، إذ سيستضيف المختصين في مختلف المجالات، لمناقشة بعض الكتب المختارة، كل وفق اختصاصه، إلى جانب استضافة بعض المؤلفين. ويجيء هذا النادي مكملا لمشروع النشر، وطموحنا أن تتواصل فعالياته على مدار العام، كما نطمح لأن يكون مصاحبا لأنشطتنا على الصعيد العربي.] في مشروعكم «كلمة للترجمة»، حملتم على عاتقكم إحياء العصر الذهبي الذي شهده التاريخ الإسلامي، والذي ترجمت فيه مختلف المعارف والعلوم إلى العربية، وتأسست عليها نهضة إسلامية حقيقية، فما هي تطلعاتكم التي تهدفون لتحقيقها من وراء هذا المشروع؟ إن «مشروع كلمة» هو جسر رئيس، الهدف منه التواصل مع ثقافات العالم المختلفة، وإلى جانب ذلك، والجوانب المعرفية المتحققة من نقل هذه المعارف وترجمتها، يهدف المشروع إلى بناء قاعدة قوية ومتينة لصناعة الترجمة في الوطن العربي، بالإضافة لبناء قاعدة بيانات لهؤلاء المترجمين. إن الإشكالية هي وجود المترجم، والترجمة الدقيقة والسليمة، فهذه الإشكالية هي ما يعاني منها الكتاب العربي، إذ تبرز بين الفينة والأخرى كتب مترجمة، بيد أنها ليست بالمستوى المرجو، بل أن نوعيتها وما تتيحه من خيارات، يرسم الكثير من علامات الإستفهام. لهذا فنحن في «كلمة» نواصل بناء هذا الجسر مع ملف الثقافات، كما نوسع من قاعدة بياناتنا بالمترجمين المحترفين، القادرين على نقل هذه المعارف بالشكل الصحيح. وتبرز أهمية قاعدة بيانات المترجمين، لكون المشروع، لا يقتصر على مجال بعينه، بل هناك عشر تصنيفات في مختلف المعارف والعلوم والمجالات، وأكثر من (16) لغة عالمية، بالإضافة للغات التي ينفتح عليها المشروع بين حين وآخر. كل ذلك يحتم التأسيس الأولي لمترجم متمكن قادر على نقل هذا الكم، لهذا عليك دائما أن تبحث عن المترجم الماهر، والمخلص، والذي يتقن الترجمة، إلى جانب احاطته بالمجال الذي سيتناوله، بالإضافة لقدراته اللغوية على المستوى العربي، واللغة الأخرى التي سيترجم منها... وهذا هو هدفنا الرئيس في مسار صناعة الترجمة.] إذا لا تقتصر مهمة «كلمة» في الشكل الظاهر، من خلال ما تنشره من كتب مترجمة، بل أنتم تشتغلون على آفق أكثر تعمقا وديمومة، من خلال صناعة ترجمة حقيقية في الوطن العربي، فما الصعوبات التي تواجهكم كصانعي ترجمة وناشرين؟ إن صناعة الترجمة ليست بالأمر السهل، إذ أنها عملية صعبة ومكلفة، لأنك تبحث عن المترجم الجيد، إلى جانب خلق الثقة لدى الأطراف التي تريد منها أن تثق بك لتمنحك حقوق نشر كتبها. وفي الحقيقة، واجهنا الكثير من الصعوبات، مع بداية انطلاق «مشروع كلمة»، أبرزها ثقة دور النشر العالمية بدور النشر العربية، إذ لم تكن سمعة دور النشر العربية جيدة، بسبب القرصنة التي كانت تمارس على كتب دور النشر الأجنبية، وهذا ما فرض علينا أن نبني ثقة تؤكد التزامنا بحقوق الملكية الفكرية، والحقوق الأخلاقية والأدبية، وقد استطعنا أن نحقق هذا الإنجاز الكبير في بناء الثقة، وأضحت سمعة «كلمة» كدار نشر عربية ممتازة جدا. وقد مثل لنا ذلك أبرز التحديات التي تغلبنا عليها خلال الأعوام الماضية. كذلك تمثل صناعة الكتب تحديا، فإلى جانب التكاليف الباهظة لصناعة الكتاب منذ شراء حقوق الملكية وصولا لإصداره ورقيا، عملنا طوال مسيرتنا، على الارتقاء بالكتاب العربي، وخلق كتاب راقي، من حيث الإخراج، ونوع الورق، والتغليف، إذ كان الكتاب العربي يعاني خلال السنوات الماضية، بيد أنه تطور اليوم، وأضحى هناك تنافس بين دور النشر. وإلى جانب ذلك، التحدي المهم، والهدف الرئيس، وهو الوصول لأكبر شريحة من الجمهور، إذ عملنا وما نزال، على الوصول لمختلف الشرائح، مع منحها كتاب راقي بسعر معقول، متناسب مع أسعار المعيشة في مختلف البلدان العربية. وقد طرحنا العديد من المشاريع، كالكتاب الإلكتروني، والكتاب الصوتي، الذي نأمل من خلالها حصول الجمهور على أسعار مخفضة، ويسر في الحصول عليها، والاستفادة منها من قبل مختلف الشرائح والفئات. هذا إلى جانب مشاركاتنا المختلفة التي نعمد فيها إلى عمل الخصومات المتناسبة مع الأوضاع المعيشة في البلد الذي نزوره. إن من المهم المحافظة على قارئك، وإيجاد آخر لتنمو حركة المعرفة وتأخذ فاعليتها.] من خلال متابعتي لإصدارات «كلمة»، وجدت بأن هناك العديد من الكتب التي تشكو من هنات وأخطاء، إلى جانب رداءة ترجمة بعضها، خاصة الكتب المتعلقة بمجالات العلوم المختلفة، فما هي آلياتكم لتلافي مثل هذه الأخطاء، ولتحسين مستوى الترجمة بشكل يليق بطموح القارئ وطموحكم كمشروع معرفي وثقافي؟ من الطبيعي أن تحسن تجربتك، وتتعلم من أخطائك مع مزيد من التجارب بمرور الأيام.. وألفت هنا إلى ما أشرت له في جزئية صناعة الترجمة، إذ أن عملية اختيار المترجم، خاصة في المجالات العلمية، عملية صعبة جدا، فنحن في «كلمة»، نتلقى العديد من الترشيحات التي تصلنا من أساتذة وأكاديميين في مجالات متخصصة، تلفت إلى أن هناك كتابا مهما يستحق الترجمة، فنبحث بدورنا عن مترجم مناسب لهذا الكتاب، إلى جانب تلك الترشيحات التي تصلنا، مقرونة بعينات لكل مترجم، فيتم إرسال هذه العينات إلى لجنة تحكيم، وبناء على رأيها يتم اختيار المترجم المناسب. كما قمنا بإطلاق «مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة»، الذي يناقش مختلف قضايا الترجمة، وينظم الورش والفعاليات التي تسهم في تطوير مستوى الترجمة. لكني ألفت إلى أن هناك إشكالية من الأساس في الترجمة العلمية للغة العربية، وإيجاد مترجم علمي دقيق، وهذا ما دعانا لتخصيص الدورة السادسة من المؤتمر، للترجمة العلمية، وتنظيم العديد من ورش العمل التي تتناول الترجمة في مجال الفلك والرياضيات، والفيزياء والكيمياء، ومجالات الطاقة النووية، وغيرها من مجالات العلوم. فيكون بذلك هذا المؤتمر، جانبا من جوانب تغذية وتطوير وتحسين صناعة الترجمة في العالم العربي.] تحدثت عن اضطراركم كمشروع، لبناء صورة لدى دور النشر العالمية، نظرا للصورة التي شوهتها القرصنات وعدم احترام حقوق الملكية من قبل بعض دور النشر العربية، فما هي الإجرات التي اتبعتموها لرسم صورة مبنية على الثقة المتبادلة؟ كما بينت.. ففي بدايات انطلاق «مشروع كلمة»، كانت هذه إحدى الصعوبات التي واجهتنا، والتي استطعنا أن نتغلب عليها، نحن ومجموعة معدودة جدا من دور النشر العربية، التي سعت خلال السنوات الماضية لتغيير هذه الصورة من خلال الإلتزام الحاد والثابت بحقوق الملكية وأخلاقيات النشر، كما قمنا نحن في «كلمة» بعمل العديد من الورش والندوات للتأكيد على هذه المفاهيم، إلا أنه، وللأسف، ما تزال هناك بعض دور النشر التي تتعمد تشويه هذه الصورة، من خلال سرقاتها لحقوق الآخرين، وعدم التزامها بمواثيق وأخلاقيات النشر. لهذا نحرص نحن في دولة الإمارات، للتعامل بشدة مع كل من يخل بهذه المواثيق، وقد عمد «معرض أبوظبي الدولي للكتاب»، في دورته الأخيرة (2018)، لطرد إحدى دور النشر، ومنعها من المشاركة في الدورات القادمة، بسبب إخلالها بهذه الموثيق وسرقة حقوق دور النشر الأخرى. لهذا فإن الحقوق هذه، تعني لنا الكثير في «كلمة»، لأنها جزء من مشروعنا وأخلاقياتنا، لدعم صناعة النشر، ودعم المترجم والمؤلف والمحافظة على حقوقه، وتمثل ثابة من الثوابت التي نعمل على أساسها، وهذا ما حقق لـ «كلمة»، سمعتها على الصعيد العربي والعالمي، سواء للمؤلفين أو دور النشر.] هناك بعض التخصصات التي يتوجب أن يحرص صناع الترجمة في الوطن العربي على مواكبتها أولا بأول، كالمجالات العلمية، نظرا للتطورات والتغيرات التي تشهدها بين الحين والآخر، فكيف تواكب «كلمة» هذا التطور المتمثل في الإصدارات الجديدة؟ لدينا موظف مختص بشكل يومي في البحث عن القوائم وأحدث الإصدارات حول العالم، وتقديم تقرير إسبوعي عن مجريات صناعة النشر والإصدارات عالميا. بالإضافة للجنة التحكيم والتقييم التي تقوم باختيار الإصدارات لترجمتها. ولدينا كذلك مستشارون في عدد من العواصم الرئيسة في العالم، دورهم متابعة أحدث الإصدارات، وأفضلها، وتزويدنا بالقوائم، ليتم التحرك في سبيل ترجمتها ونقلها إلى اللغة العربية.

مشاركة :