هناك بوادر انفراج في العلاقات العربية - العربية، وهذه الانفراجة قد تؤدي لعقد مؤتمر قمة عربي مصغر في الرياض في الأيام القادمة، وربما تؤدي إلى مصالحة قطرية - مصرية، وقد يحضرها أيضا مندوب عن ليبيا، فيما تخوض موسكو بالتعاون مع ايران وتركيا عملية مضنية لحل الملف السوري، على قاعدة جنيف واحد، فيما ترفض المعارضة السورية هذه الحلول التي لا تفي بحجم الدم المسكوب وعدد قتلى الثورة السورية، وترى ان العودة للمربع الأول تعني تهاونا دوليا بحقوق الشعب السوري. في هذا الاطار تنشط الدبلوماسية الروسية لجمع المعارضة مع النظام السوري، في بيت واحد، فقد بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب اردوغان، امكانية تقاسم السلطة، وقد كانت الزيارة المكوكية لوزير الخارجية السوري وليد المعلم في طهران وموسكو دليلا على رغبة النظام السوري الذي يلفظ انفاسه، رغبته في محطة استراحة تؤمن له البقاء، رغم ان مصادر ايرانية وفقا لدبلوماسيين غربيين باتوا مقتنعين أكثر من السابق بان فرص البقاء لم تعد ممكنة. اللقاء الذي تم في موسكو مع المعارض أحمد الخطيب، تم على قاعدة جنيف واحد، فيما يختبئ الاخوان في التفاصيل خلف العباءة التركية والايرانية، بعدما اتضح وجود تفاهم بينهم وانقرة وطهران مسبقا على عدم ممانعتهم من دعم اقتسام السلطة مع الاسد، فيما يتنازل الاسد عن جزء كبير من صلاحياته مبقيا في عهدته المؤسسات الأمنية. الخطيب برر موقفه من انه اكتشف ان الشمس تشرق من موسكو حسب كلامه، وان القوى الدولية ليس بينها إلا مصالح وخطوط حمراء، وأن لا حل للأزمة السورية إلا في ضوء مصالح هذه الدول وأن الخاسر الوحيد في الأزمة هو الشعب السوري، وقبيل زيارة الخطيب إلى موسكو كانت هناك زيارة لميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية، التقى فيها الرئيس السوري بشار الاسد، والتقى زعيم حزب الله للتمهيد للحل السياسي الذي يفضي إلى خروج ميليشيات نصر الله من سوريا، وهذا يتكامل مع جهود يبذلها المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا تصب في ذات الاتجاه، حيث اجتمع بوغدانوف مع السفير القطري في موسكو، مثلما التقي معارضين سوريين في اسطنبول لبحث آفاق الحل للازمة السورية. بوغدانوف قال على لسان الخطيب إنه قدم نقطتين رئيسيتين في مجال احياء العملية السلمية، مؤكدا أن ليس للخطيب ومجموعته اعتراض أولا على محاربة الإرهاب والثانية مفاوضات سياسية تفضي لحوار واتفاق بين الحكومة السورية والمعارضة. مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني قالت في 9 /12 إن وزراء الاتحاد الاوروبي اجتمعوا مع مبعوث الأمم المتحدة للسلام في سوريا ستافان دي ميستورا في بروكسل لإيجاد سبل لاستئناف عملية السلام في هذا البلد، وهذا يعني ان الحراك الدبلوماسي الروسي غير معزول عن حراك المجتمع الدولي، غير ان المعلومات تفيد بان لقاء موسكو سينتهي إلى وصفة تسمح بخروج الاسد، اذ أن معلومات من مصادر روسية تفيد بأن الاسد غادر سرا إلى موسكو الأسابيع الماضية. ضمن المعطيات السابقة، نستطيع الجزم، بأن ثمة قرارا دوليا واقليميا بمحاربة الارهاب، وحل الملفات السياسية العالقة، وبخاصة الملف السوري، ودعم أمن واستقرار اليمن ومصر وليبيا، وهذا يدفعنا للسؤال عن معالم السياسة الخارجية الجديدة بعد الأزمات الاقليمية التي أرقت صناع القرار في المنطقة، وأعاقت العمليات التنموية، وأفقدت المنطقة عنصر الاستقرار، وأعلت من بروز وفاعلية وتأثير حركات العنف والتطرف والارهاب، وكشفت عن علاقات وروابط سرية بين بعض الدول الاقليمية والتنظيمات الارهابية، وأظهرت هشاشة قيمة الدولة لدى بعض المجتمعات، ولكنها في الوقت ذاته أكدت أن الحل الأمني مكلف وغير قابل للنجاح، وأن سياسات الاقصاء والتهميش غير ممكنة. ضمن هذه المعطيات انكشف النقاب قبل أسبوع عن تقارير للاستخبارات الامريكية تؤكد ان العراق لم يكن يملك أسلحة للدمار الشامل، وأن ليس هناك التقاء كان بين المخابرات العراقية وتنظيم القاعدة، وان الادارة الأمريكية في عهد بوش مارست تضليلا كبيرا في السياسة والاعلام لتحقيق اهدافها غير المشروعة في العراق، وضاعف الازمة والاحتقان الاقليمي عندما وافقت الادارة الامريكية على تسليم العراق لايران، لتسعير الصراع الطائفي في المنطقة، تزامن ذلك مع وجود شرعيات حزبية وطائفية تمتلك السلاح بموازاة سلاح الدولة الشرعية مهددا بذلك الأمن والاستقرار الداخلي والخارجي، كما هو سلاح حزب الله وسلاح حركة التمرد الحوثي. المعارضة السورية وبحسب رئيس الائتلاف الوطني السوري هادي البحرة وبعد لقائه ممثلي الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي في بروكسل، أكد أن خطة المبعوث الدولي الى سوريا غير واضحة، وان مبادئ جنيف تحتاج إلى آلية تنفيذية وضمانات دولية، موضحا ان الحكومة السورية تتظاهر بالقبول فيما تحاول اعادة نشر قواتها والقوات المتحالفة معها بما يلغي مكتسبات المعارضة طيلة فترة الازمة. كل المؤشرات تفيد بأن هناك امكانية للاجتماع، لكن الكل يتهرب من التفصيلات السياسية لهذه اللقاءات، والمعارضة تعي تماما أن الزمن ليس في صالح الاسد، وهذا يتطلب أن تشكل الحلول مخرجا لسوريا دولة وشعبا من المأزق بما يؤدي إلى رحيل الاسد وتفويض جانب من صلاحياته لحكومة من المعارضة السورية، وان ينوب عنه نائب له طيلة الفترة الانتقالية، مع ضمانات دولية بعدم الاقصاء والتهميش لأي من المكونات السورية، وقد كان واحد من شروط المعارضة سحب القوات الخارجية من سوريا كخطوة أولى لبدء هذه المفاوضات. استعجال الدبلوماسية الروسية والايرانية البحث عن مخارج وحلول للازمة السورية، ليس رغبة في وقف شلال الدماء والقتل وفوضى اللاجئين السوريين في الخارج، بقدر ما هي معلومات تؤكد أن هناك تغيرات على الأرض باتت تفرض نفسها، ستشكل مع الوقت متغيرا استراتيجيا في الأيام القادمة وذلك بعد احراز قوات المعارضة السورية تقدما ملحوظا في السيطرة على قطاعات كبيرة من المحافظات الشمالية، اذ من المتوقع تقدمها باتجاه مطار حماة وسط سوريا ومن بعدها تهديد القصر الجمهوري في دمشق ،وعليه هل ستشرق الشمس من الشام أم من موسكو أولا؟
مشاركة :