انعكاسات الاندماج إيجابية على الاقتصاد الكويتي

  • 7/29/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تناولت وسائل الإعلام أخيراً نية «بيت التمويل الكويتي» الاندماج مع «الأهلي المتحد - البحرين». من شأن هذه الخطوة إن تمت بنجاح، إضافة كيان مصرفي إسلامي ضخم في منطقة الخليج العربي بأصول تصل إلى 95 مليار دولار، مع تواجد عالمي واسع النطاق قابل للتوسّع والانتشار، وهو حالياً يشمل ماليزيا، وتركيا، والبحرين، وبريطانيا، وألمانيا، ومصر، وليبيا، والعراق.ومن العوامل الأساسية في نجاح البنك الجديد، إنه سيعمل وفقا للشريعة الإسلامية التي ستجنبه بعض المخاطر التي واجهتها البنوك العالمية الضخمة التي تعرضت إلى مشاكل وأزمات خلال العقود الماضية، وقد نجم عن تلك الظاهرة قيام عدد كبير من الباحثين بدراسة فرضية ما تسمى Too-Big-To-Fail) (TBTF)) حيث كانت نتائج نحو 200 بحث منشور في دوريات علمية محكمة في هذا المجال، تشير إلى أنه على الرغم من الانعكاسات السلبية التي نجمت عن فشل بعض البنوك الضخمة (في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال) كانت كبيرة نسبياً على الاقتصاد، إلا أن البنوك الضخمة تظل أكثر كفاءة من البنوك الصغيرة.كما تقدّم هذه البنوك قيمة مضافة للاقتصاد المحلي والعالمي من خلال مساهمتها في توظيف رؤوس الأموال الفائضة في المشاريع الناجحة، وتقديم منتجات مصرفية متنوعة. الجدير بالذكر أن البنوك الكبرى التي شهدت انهياراً كان من أسباب ذلك التوسّع الائتماني في قطاع الإسكان والدخول في المشتقات وغيرها من المنتجات التي لا تعمل بها البنوك الإسلامية، والتي تعمل وفق فلسفة مختلفة تماماً عن البنوك التقليدية.وبغض النظر عما إذا تم الاتفاق أم لا على الاندماج، فإن الكويت تحتاج خلال السنوات المقبلة إلى بنكين ضخمين على الأقل يعملان على تقديم منتجات وإصدار أدوات استثمارية وإدارة التمويل الكبير الذي تحتاجه إستراتيجية الكويت المقبلة، وكذلك تقديم خدمات ومنتجات متنوعة تتسم بالتنوع والانتشار في مناطق جغرافية مختلفة.كما أن هذا التواجد الضخم لن يؤثر على البنوك الصغيرة التي ستركز أعمالها على تقديم خدمات محلية مميزة لعملائها، أي أن تركيزها سيكون على الأفراد والمنشآت الصغيرة، بحيث تركز البنوك الكبيرة على تمويل المؤسسات الكبيرة والمشاريع الضخمة محلياً وعالمياً، وإدارة الإصدارات الضخمة التي تحتاجها الإستراتيجية المقبلة، وأن تمارس جميع الأعمال بحيث تكون أيضا بنوكاً استثمارية.أما عن الانعكاسات الإيجابية الاجتماعية لهذا الاندماج، فتتمثل في زيادة مساهمة البنك المرتقب في تقديم خدمات كبيرة نسبياً إلى المجتمع، فعلى سبيل المثال سترتفع مبالغ الزكاة بارتفاع أرباح البنك، وبشكل عام، فإن دور البنوك الضخمة في التنمية الاقتصادية كبير نسبياً، فنظرا لضخامة رؤوس أموالها وحجم المبالغ المودعة لديها، لها قدرة كبيرة على تطوير أنظمتها التكنولوجية، إذ إن التكلفة عليها أقل بكثير من البنوك الأصغر حجماً، كما أن تكلفة تأسيسها لوحدات مساندة أقل بكثير من البنوك الصغيرة.ونظراً لان آلية عمل البنوك التي تعمل وفقاً للشريعة الإسلامية مختلفة عن البنوك التقليدية فلا شك أنها تستطيع تقديم منتجات مصرفية إسلامية، لأن هذه البنوك لديها أدوات إسلامية متنوعة كثيرة مثل الاستصناع، والمضاربة، والبيع بالسلم، والمرابحة، والمشاركة، والإجارة، والتورق، إضافة إلى الاستثمار المباشر، وهي بلا شك تلبي قطاعاً واسعاً من العملاء وسيكون لها دور كبير محلياً وعالمياً.فبمجرد التفكير بالعمل المصرفي خارج الكويت، فإن ذلك يعتبر في الاتجاه السليم، فالمجالات المتاحة في الكويت محدودة، وتكاد تنحصر في تمويل القطاع العقاري، وفي مجالات منتجات صيرفة الأفراد التي تمثل القروض الاستهلاكية والمقسطة الجزء الكبير منها، والتي يتم حالياً تقنين نموها من خلال تشجيع الادخار، ووضع شروط كالفواتير وغيرها التي بلا شك ستقنن نموها مستقبلاً.إضافة إلى الرسوم والعمولات، وهي مصادر لإيرادات البنوك قد لا تكون كافية في المستقبل مع ارتفاع التكاليف التشغيلية للبنوك، وهي مجالات محدودة تتسم بالمنافسة الشديدة وستزداد هذه المنافسة خلال السنوات المقبلة مع وجود عوامل سلبية، منها على سبيل المثال الانعكاسات السلبية المرتقبة لاحتمال انخفاض معدلات أسعار النفط، وما سيواكبها من خطوات لاحقة برفع أسعار السلع والخدمات المدعومة من الحكومة وتراجع الإنفاق العام (الذي يعتبر المحرك الأساسي للاقتصاد المحلي).ففي ظل محدودية المجالات المتاحة للبنوك، واقتصار نشاطها في مجالات صيرفة الأفراد المرتكزة على القروض الاستهلاكية والمقسطة والعمولات وبطاقات الائتمان، وهي مجالات تقليدية ستكون محدودة مستقبلا خصوصاً مع إدخال وسائل التكنولوجيا الحديثة والمنافسة فيها شديدة، كما أنه في حال تنفيذ ما يسمى بخطة تعديل التركيبة السكانية مع ضغوط مجلس الأمة بـ «تكويت» الوظائف في القطاع الحكومي، ورفع نسبة «التكويت» في مكونات القطاع الخاص، فان تلك المجالات ستشكّل تحدياً إضافياً في المستقبل للبنوك المحلية. فتشديد شروط الإقامة بالنسبة للوافدين، ورفع أسعار الخدمات الصحية، والكهرباء على القطاع العقاري الاستثماري ستكون عوامل طاردة للعمالة الوافدة، ومن شأنها رفع التكلفة عليها، وخصوصاً العمالة الهامشية أو التي تسمى بالعمالة غير الماهرة، وهي عوامل ستؤثر بلا شك على أرباح البنوك في الأمد الطويل، فعلى البنوك المحلية التي لم تتخذ خطوات جادة في هذا المجال أن تفكر جدياً في هذا الموضوع.لقد توجهت معظم البنوك في مختلف دول العالم بعد الأزمة المالية العالمية إلى تعزيز رؤوس أموالها وإعادة هيكلتها وتقليل مصاريفها، وعملت على تعزيز أنظمتها في مجالات برامج التكنولوجيا والتقنيات، وذلك في ظل تصاعد الثورة التكنولوجية، الأمر الذي يفرض خيار الاندماج والاستحواذ لتكوين كيانات كبيرة تستطيع المنافسة والولوج في القطاع المصرفي العالمي.وبالتالي، فإن توجه البنوك المحلية إلى خارج الكويت، واكتساب خبرات عالمية، واستقطاب الفرص المتاحة سيعزز إيراداتها وأصولها وينوع محافظها الاستثمارية، ويقلل من المخاطر التي قد تواجهها محلياً.وقد لاحظنا كيف استفادت بعض البنوك الكويتية من الشبكة المصرفية في الخارج، فعلى سبيل المثال حقق بنك الكويت الوطني، وبنك برقان، إيرادات جيدة من فروعهما الخارجية. وبالتالي، فإنه قد يكون من المناسب أن تشجع السلطات الرقابية هذا التوجه، سواء الاستحواذ أو الاندماج لتكوين مصارف تتمتع برؤوس أموال كافية، وأن تفكر جدياً بتنويع مصادر إيراداتها من خلال الانتشار عالميا لكي تستطيع المساهمة فعلياً في تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري يتمتع بخدمات وأدوات تضاهي الدول المتقدمة.فإمكانية تحويل الكويت إلى مركز مالي إسلامي يتطلب دعم تلك الأفكار، وإنشاء مراكز دراسات أو جامعات للتخصصات المطلوبة في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، وتأهيل ودعم الكوادر الوطنية لقيادة القطاع المصرفي مستقبلاً، وأما عن مواكبة التطور المتسارع في محاكاة البنوك العالمية في مجالات التطور التكنولوجي، فإن البنوك ذات رؤوس الأموال الكبيرة لديها قدرة أكبر من البنوك ذات رؤوس الأموال الصغيرة في الصرف على التطور التكنولوجي المتسارع، والذي يشهد ارتفاعا ملحوظا في أسعاره، ونتمنى أن نرى هذا الاستحواذ يتحقق قريباً لكي تقيّم هذه التجربة، ونستفيد منها عملياً.* باحث اقتصادي

مشاركة :