الشارقة: محمدو لحبيب ثمة إحساس عالٍ بالوطن في مفهومه القومي والمحلي، ينبعث من عيني الشاعر الإماراتي عبد الرضا حبيب بمجرد أن تسأله عن مكانة الوطن في أشعاره وقصائده، وتمتلك قضية فلسطين وجوداً دائماً لا يتغير في قصائده وفي تفكيره، حتى في الآتي من الشعر عنده.ربما يمكن للمتأمل في سيرة الشاعر عبد الرضا أن يفسر ذلك الارتباط بالأرض، حين يعلم أنه يجمع بين فن الشعر وفن التشكيل الفخاري، إنها إذاً رحلة لا نهائية وإحساس عميق بما تعنيه الأرض في نفس المبدع، وبما يعنيه أن يهتم بها في كل أبعادها من الإمارات إلى فلسطين السليبة.بدأت مواهب عبد الرضا في الفنّين منذ الطفولة الأولى، وأفصح ذلك الميل الفطري إلى الإبداع عن نفسه بداية بالشعر، فبدأت محاولاته الأولى في ذلك المجال في المدرسة، ثم استمرت ونضجت أكثر في مرحلة الدراسة الجامعية، ولم يقتصر عنده الشعر على الفصحى، بل كان للشعر النبطي حضوره المميز في تجربته كذلك، أما فن التشكيل فقد بدأ معه متأخراً نسبياً، أي بعد التخرج في الجامعة، ودخوله الحياة العامة وله فيه إنجازات مهمة، «الخليج» تقدم من خلال هذا الحوار التجربة الشعرية والتشكيلية للشاعر عبد الرضا، وترصد مساره الإبداعي في الاتجاهين، ورؤيته للإبداع بشكل عام. *تجمع بين فن التشكيل الخزفي وبين الشعر، من وجهة نظرك متى تؤثر إحدى الموهبتين على الأخرى فتمتزج بها في ذهن عبد الرضا حبيب؟- بداية عليّ أن أقول إن كلا المسارين منفصلان تماماً، فالجمع بين الشعر والفن التشكيلي، يشبه الجمع بين ضرّتين، لا تستطيع إرضاء إحداهما دون أن تغضب الأخرى، لذلك لا أسمح بتداخلهما أبداً، فحين أبدأ لوحة أو قطعة تشكيلية نحتية، أترك الشعر تماماً ولا أفكر فيه، وحين أجد نفسي في طور كتابة قصيدة ما، أنسى التشكيل والنحت والفخار وكل ما يمت له بصلة، يحدث ذلك رغم أنني أمرّ بنفس الإرهاصات ونفس المقدمات، أثناء الفن التشكيلي وأثناء كتابة الشعر في الوقت نفسه، وبشكل عام علي أن أقول إن الإبداع متنفس، وحاجة يلجأ إليها الإنسان للتعبير عن حالة نفسية من الحزن أوالفرح أوالإعجاب أو غيرها، فيتشكل عندئذ هذا الطريق الذي نسميه الإبداع، وأيّاً كانت المادة والوسيلة التي يتخذها الإنسان فإن الدافع يبقى واحداً، وهو الحاجة للتعبير، ونحن نظن أن التعبير هو فقط بالكلمة المتمثلة في الشعر أو النثر، بيد أن كل إبداع هو تعبير أو تنفيس عن دواخل النفس البشرية، تستوي في ذلك اللوحة المسندية، والأعمال البصرية والسينما والمسرح والخط والنحت والشعر، لكن لكل منها مساره الخاص داخل نفسي.هل من إضاءة على مكانة الوطن الحاضرة في شعركم؟الوطن لا تختزله مجرد جلسة للحديث عنه، فأغلب قصائدي مشغولة بالوطن، فقصيدة «أمي»، يمكن أن تعبر عن جزء مما يمثله الوطن في شعري، والتي أقول فيها: أمي وحق الله أرقني شجو ببعد الدار والوطن أمي وليل البين سهدني شوقاً وليس الصبح يدركني للبيت يا أمي أيا لهفي للأرض للأصحاب للوطن وطني أيا حبّاً تعبدني بالأرض ديناً صادق السنن نحن نعيش في وطن كريم أعطانا كل شيء، وهيأ لنا الكثير من أسباب العيش الكريم، وهو يستحق منا أن نقدم له مقابلاً كلٌ من موقعه، وبطريقته التي يستطيعها، وأنا كشاعر حملت هذا الوطن بين جوانحي، وغنيت له دائماً، كما أنني أكتب في القضايا القومية، وما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال الغاشم، لأن الوطن عندي حاضر في بعد آخر هو البعد العربي القومي، وأنا أفعل ذلك لأنني أعتبر القصيدة هي ذلك الفن الأكثر تعبيراً عن الرؤى الوطنية والقومية، فتأثير لغتها وإيقاعها وصورها لا يدانيه أي تأثير آخر.إلى أي مدى يمكن للشاعر أن يتقن نوعين من الشعر مختلفي اللغة مثلاً: الشعر النبطي والفصيح، ألا يبدو هذا صعباً ومتكلّفاً أحياناً؟- الشاعر ابن بيئته، لذلك ليس صعباً أن يكتب الشاعر بالفصحى وباللهجة المحلية، وليس ذلك متكلفاً؛ بل أجده أمراً طبيعياً، فبين العامية والفصحى تبادل جميل، فكل منهما تكمل الأخرى وتضيف لها، سواء على مستوى الصورة أو المفردة. هل تملي القصيدة على الشاعر عبد الرضا اختياره للغة التي يكتبها بها، أم أنه هو من يختار مسبقاً أن يكتب قصيدة فصحى أو نبطية؟ - في أغلب الأحيان لست أنا من يختار الأداة اللغوية التي تكتب بها القصيدة، سواء أكانت اللغة الفصحى، أم اللهجة الدارجة، بل يعود ذلك إلى الحالة الشعورية وإلى الموضوع الذي تقال فيه القصيدة، كل ذلك هو ما يستدعي نوع اللغة، وأعتبر أن مقدرة الشاعر على الإبداع بهما معاً هو مصدر غنى، وثراء لإنتاجه الشعري، ويمكن أن يشكل فارقاً قوياً بينه وبين من لا يمتلكون هذه الموهبة المزدوجة من الشعراء. عبد الرضا حبيب ضد الأشكال الحداثية في الشعر والتشكيل ويفضل الالتزام والمحافظة، هل هذه الجملة صحيحة؟ - للإنصاف، نحن حين نتحدث عن التجارب الحداثية في الشعر العربي، نتحدث عن شعراء لهم أسماء كبيرة، وجمهور عريض، وبالنسبة لهم تلك الأشكال الحداثية يمكن أن تسمى شعراً، لذلك لا بد من احترام ذلك الرأي، أما بالنسبة لي فلا أرى الشعر منفصلاً عن الوزن والقافية وبحوره وعروضه، ومن الأفضل أن نطرح هذا السؤال على تلك الحداثة: هل يعني خطاب الحداثة الشعرية أن الشعر الجاهلي مثلا بات بالياً، ويحتاج إلى تجديد ملابسه؟، إذا كان هذا هو القصد فهذا كلام مردود عليه، لأن هذا الشعر متكامل جداً، وما زال برغم مئات السنين من أجمل الشعر العربي، وإذا كان ثمة شاعر عاجز عن التعامل مع الوزن والقافية والعروض، فتلك مسألة أخرى، وربما يكون ذلك مبرراً عنده للحديث عن الحداثة وأشكالها الشعرية المتحررة من ضرورات الوزن والعروض والقافية، وبالنسبة لي الحداثة لا ينبغي أن تمس شكل الشعر العربي الأصيل، بل يمكن أن تتناول المضمون وتجدد فيه. ماذا بعد فترة الغياب هذه للشاعر عبد الرضا وما جديده؟ - الجديد لدي وهي قصيدة ما زالت في طور الكتابة، وهي غزل في واحة القصباء في الشارقة بعنوان «إن العزائم أنجبت سلطانا»، وأتمنى أن تكتمل قريبا بإذن الله، أما فيما يتعلق بالغياب؛ فثمة أمور شخصية صحية فرضت علي ذلك الغياب، وثمة كذلك تجاهل من قبل بعض المؤسسات الإعلامية والثقافية عززت صورة ذلك الغياب، رغم أنني حاضر دوماً وأكتب دوماً عن وطني وعن قضاياه، وإذا كان من رسالة يمكن أن أوجهها هنا من خلال هذا اللقاء فهي أنني أسأل: هل كُتب على الفنان والمبدع أن يكرّم فقط بعد مماته؟، وأقول أنا أنتظر من المؤسسات الثقافية اهتماماً أكثر.
مشاركة :