لم يتوقف نضاله عند الكتابة الصحفية هنا أو هناك، ولم يناضل بالكلمة فقط، بل أيضًا حمل السلاح دفاعًا عن الجزائر، إيمانا منه بقضية الحرية واستقلال الأراض العربية من مستعمريها، وتربع على عرش القصة المصرية، وانتشرت مقالاته اللاذعة والمعارضة كالنار في الهشيم، وفاضل البعض بينه وبين نجيب محفوظ حينما حصل الأخير على جائزة نوبل، إنه يوسف إدريس الذي تمر ذكرى وفاته غدًا الأربعاء الأول من أغسطس. ولد يوسف إدريس في قرية البيروم- بمحافظة الشرقية في 19 مايو 1927، وكان في صغره مُغرمًا بعلوم الكيمياء ويحلم بأن يصبح طبيبًا، ودفعه ذلك للتفوق والالتحاق بكلية الطب، واشترك يوسف إدريس خلال سنوات دراسته في المظاهرات المعادية للاحتلال البريطاني، وللملك فاروق. واختير سكرتيرًا تنفيذيًا للجنة الدفاع عن الطلبة، ثم سكرتيرًا للجنة الطلبة عندما بدأ بإصدار المجلات الطلابية الثورية، وكتب أولى قصصه القصيرة التي لاقت إعجاب زملائه الطلاب.وتعتبر مجموعته القصصية "أرخص الليالي" التي صدرت في عام 1954 أول مجموعاته القصصية، واهتمت هذه المجموعة بالأوضاع التي شاعت في مصر خلال الفترة التي عاصرها هو، ومن قبله، وتجلت فيها عبقريته لأنه نجح في تقديم عدد كبير من الشخصيات التي امتازت من الخارج بالبساطة، ولكنها من الداخل كانت عميقة للغاية.أما "جمهورية فرحات" دارت أحداثها حول شخصية الصول فرحات، وركزت على أفكاره التي تتعلق بالشرطة، والإجرام، وفي "حادثة شرف" تدور الأحداث حول بطلة القصة فاطمة، وأنوثتها، وخوف أخيها من أن تكون أنوثتها سببًا في إلحاق الضرر بها، وبالفعل تعرضت فاطمة إلى مواقف قاسية تمس شرفها، وكانت هذه الاتهامات سببًا في ضياع براءتها، ولكن ثبت أن سلوكها شريف بالفعل، وتخلصت فاطمة من هذه الاتهامات.كما قدم يوسف إدريس عددًا من الروايات التي كانت تحمل العديد من القيم السامية، وساهمت بالفعل في ارتقاء المستوى الفكري لدى الكثير من القراء، وكان من هذه الروايات "الحرام، والعيب، ونيويورك 80، والبيضاء".وعمل يوسف إدريس بعد تخرجه طبيبًا بقصر العيني بين عامي 1951-1960، ثم طبيبًا نفسيًا، ثم صحفيًا في جريدة الجمهورية. وكان غزير الثقافة وواسع الاطلاع، حتى أنه من الصعب الحكم عليه أنه تأثر بأحد مصادر ثقافته أكثر من الآخر، فقد اطلع على الأدب العالمي بشكلٍ واسع خاصةً الروسي، وقرأ لبعض الكتاب الفرنسيين والإنجليز، كما كانت له قراءاته في الأدب الآسيوي، حيث قرأ لبعض الكتاب الصينيين والكوريين واليابانيين.وعام 1961 انضم إلى المناضلين الجزائريين في الجبال، وحارب في معارك استقلالهم لمدة أشهر، وبعد أن أصيب بجروح أهداه الجزائريون وسامًا، معربين عن تقديرهم لجهوده في سبيل حريتهم ثم عاد إلى مصر.وحصل على وسام الجمهورية عام 1963، واعترف به ككاتب من أهم كتاب عصره، إلا أن النجاح والتقدير أو الاعتراف لم يخلصه من انشغاله بالقضايا السياسية، فظل مثابرًا على التعبير عن آرائه المعارضة، وظلت قصصه القصيرة ومسرحياته غير السياسية تنشر في القاهرة وبيروت.وفي عام 1972، اختفى من الساحة العامة إثر بعض التعليقات العلنية ضد الوضع السياسي في عصر السادات، ولم يعد للظهور إلا بعد حرب أكتوبر 1973 عندما أصبح من كبار كُتّاب جريدة الأهرام.وسافر عدة مرات إلى معظم دول العالم العربي وزار بين 1953 و1980 كلًا من فرنسا، إنجلترا، أمريكا واليابان وتايلاند وسنغافورة وبلاد جنوب شرق آسيا، وهو عضو في كل من نادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ونادي القلم الدولي.
مشاركة :