"الحضارة" فكرة عنصرية اختلقها الغرب ليهيمن على العالم

  • 8/1/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يعرض كتاب“الحضارة والتاريخ، الفكرة والتاريخ” لتوماس باترسون تاريخ نشأة فكرة “الحضارة” عند الغرب. وكيف أن الغرب اختلق الفكرة بهدف تأكيد التمايز بينه كجنس أبيض “متحضر” وبين بقية العالم كأجناس وأعراق “برابرة” و”همج”. وقد اختلق الغرب هذا التمايز ليبرر حملاته الاستعمارية العدوانية ضد الشعوب الأخرى، سواء لاستعمار البلاد أو للاتجار في أهلها رقيقا. ووجد في هذا الفهم مبررا يبرئ نفسه من آثامه، بل كما اعتاد أن يدعي دائمًا أنه استعمر هذه الشعوب لينقلها إلى “الحضارة”، أي لمحاكاة الغرب وإن كانت في نظره و”نظرياته” أعجز عن ذلك بحكم طبيعتها وجبلّتها. ومؤلف هذا الكتاب “الحضارة والتاريخ، الفكرة والتاريخ”، هو أستاذ علم الأنثروبولوجيا توماس باترسون، الذي أثرى المكتبة العالمية بعدة كتب محور موضوعها هو الحضارة مثل ”نحو تاريخ اجتماعي للأركيولوجيا في الولايات المتحدة” و”الأركيولوجيا: التطور التاريخي للحضارات” و”إمبراطورية الإنكا” و”اصطناع تواريخ بديلة”، وغيرها من الدراسات التي ترد الاعتبار لثقافات وتواريخ الشعوب. ويمثّل بارتسون واحدًا من أبرز مفكري ذلك التيار الحر، وتعتبر مؤلفاته ومؤلفات مجموعة أخرى من كبار المفكرين في الولايات المتحدة جهدا فكريا وعلميا متميزا لكشف زيف فكر المركزية الغربية والتصدي له، وبيان أنه فكر ذرائعي مناقض لحقائق التاريخ وإنما استهدف تزييف وعي الشعوب وتيسير سبل الهيمنة، ويبدو هذا واضحا من العنوان الأصلي للكتاب وهو “اختلاق فكرة الحضارة الغربية”. وقام بترجمة الكتاب إلى العربية المترجم شوقي جلال، الذي يرى أنه في عمله هذا يضيف حلقة إلى سلسلة أعمال مماثلة تهدف إلى تعريف القارئ العربي بجهود مفكري هذا التيار الذي يضم أعلامًا من أمثال بيتر جران وأندريه جوندر فرانك وإدوارد سعيد وآخرين، وذلك في محاولة للتلاحم معهم في معركة المواجهة الفكرية، وأيضا في محاولة لإثراء جهد تنويري عربي يسعى إلى الكشف عن حقيقة الزيف وتحرير فكرنا وعقولنا بعد أن صاغها إطار فكري غربي وأصبحنا معه وبسببه مغتربين أو مستلبين عن حقيقة وواقع تاريخنا. باترسون يقلب مفهوم الحضارة التبريريباترسون يقلب مفهوم الحضارة التبريري ويكشف كتاب “الحضارة والتاريخ، الفكرة والتاريخ” أيضا عن هلامية فكرة الحضارة لدى مفكري الغرب والصراع بينهم حول تحديد معناها والموقف منها، ولا يزال الغرب أو “الجنس الأبيض” –كما يثبت الكتاب– يتشبث بهذه الأقاويل غير العلمية عن معنى الحضارة وإن أطلقها في صورة نظريات عن الحضارة “والذكاء” ليؤكد تميزه وتمايزه وحقه في الهيمنة والسيادة واستباحة حقوق وثروات وحياة الشعوب “الأدنى” ويروّج علامة على هذا، أن شعوبًا كثيرة غير بيضاء لا ترقى إلى مستوى الإنسان الأبيض عقلا وحكمة وقدرة إبداعية وتحضّرا، وليس لها حق المساواة به أو معه. ويعرض الكتاب نظرة تاريخية نقدية مستشهدا بنصوص مفكري الغرب، وأفعال المستعمرين ومن يسمون “المستكشفون”، ويستطرد مؤكدا باستشهاداته أن مفكري الولايات المتحدة يحملون الآن بإصرار لواء هذا التوجه العنصري، ومن بينهم صمويل هنتنغتون، الذي يمايز “حضاريا” بين الغرب وبقية العالم. ويرى في بقية العالم خطرا على الجنس الأبيض وعلى الحضارة، ولكن شواهد الواقع والتاريخ تؤكد أن الشعوب “غير المتحضرة” على الطريق لاستعادة أو لانتزاع حقوقها وامتلاك مصيرها بين أيديها. إن توماس باترسون هنا يقلب مفهوم الحضارة التبريري الذي اختلقه الغرب عن عرشه بعد أن تربع عليه أكثر من قرنين، ويكشف عن جذوره العرقية والعنصرية والطبقية والجنوسية (أعني التمييز الثقافي الاجتماعي بين الجنسين) ويبين واضحا من الكتاب أن فكرة الحضارة فكرة صاغها القطب الأقوى سياسيا وعسكريا واقتصاديا ليقهر بها فكريا عقول المستضعفين، ويغرس في نفوسهم مشاعر الدونية دفاعا عن مكانته. ويعتمد المؤلف في كتابه، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، على حصاد غني طويل الأمد من دراسات أكاديمية متميزة له في علم الإناسة أي في أنثروبولوجيا وأركيولوجيا المجتمعات والحضارات القديمة، ويتخذ من دراساته شاهدا على اطراد سياسة التمييز العنصري فكريا عند الغرب “الأكاديمي” والسياسي تأسيسا على مزاعم تحمل زيفا صفة الفكر الأكاديمي، فقد اقترنت هذه المزاعم بصعود قوى الرأسمالية في عصر الصناعة، واطردت لتكون دعامة لما يسمى “العالم الحر المتقدم”. يكشف الكتاب أنه مع بداية انطلاق مرحلة نهاية الاستعمار الصناعي السياسي وتحرر الشعوب سياسيا تأكدت التعددية الثقافية، وتأكد حق الشعوب في استرداد اعتبارها سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإنسانيا أي حضاريا. ولكن بمعنى إنساني شامل جديد، يؤكد حق الشعوب جميعها على اختلاف ألوانها وعقائدها في البقاء في محيط إنساني عادل وكفء مع إدانة أساليب التميز العنصري والاسترقاق في الماضي. ويمثل الكتاب أيضا إلى جانب مادته الفكرية العلمية، دعوة إلى مفكري شعوب العالم بعامة، وشعوب الجنوب بخاصة، لكي يوحدوا جهودهم وينسقوا إسهاماتهم لتعزيز الفكر التحرري الذي يحمل عنوان فكر ما بعد الاستعمار، وأن يعملوا على صياغة إطار فكري إنساني جديد، وإعادة كتابة التاريخ في تساوق مع جهود التحول الحضاري”.

مشاركة :